تعتبر حدائق دمشق جزءاً من تاريخها الممتد عبر التاريخ، ومن تراثها الإنساني الذي لطالما ارتبط بطقوس اجتماعية حظيت باهتمام خاص لدى أهالي دمشق الذين اعتادوا على ( السيران ) في بساتينها الغناء المنتشرة على ضفاف نهر بردى، وقد تحولت مساحات واسعة من هذه البساتين مع مرور الزمن إلى حدائق نُسبت تسمياتها إلى شخصيات تاريخية كان لها أثر وحضور فيها، أو تكريم لها كحديقة السبكي والجاحظ والمدفع وغيرها …
حديقة البرامكة عطشى!
ولأن حدائق دمشق مرآة عافيتها وصحة نسيجها الحضاري، نقف عند الشكاوى التي وصلتنا حول ما آل إليه واقع عدد منها من إهمال وتردي الخدمات فيها، ونخص بالذكر حديقة البرامكة المحدثة، حيث أوضح عدد من المشتكين في المنطقة أن الحديقة بحاجة إلى تزويد البئر الموجود فيها بألواح طاقة شمسية، وذلك لتشغيل البئر، وسقاية المسطحات الخضراء والمنصفات.
وأضاف عدد آخر أن شبكة الري الحديث والسقاية في الحديقة بحاجة إلى إعادة تأهيل، وأن هذه المشكلة أدت إلى موت عدد كبير من مزروعات الزينة والورود وذبول المساحات الخضراء .
وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستديرة كفرسوسة ومنصف تشرين، وعدد من المستديرات والمنصفات والحدائق الصغيرة المتوزعة على امتداد المدينة, وجميعها بحاجة إلى اهتمام وتخديم، وإعادة تأهيل.
صيانة وتجديد خدمات
كما أشار عدد من المواطنين إلى ضرورة إعادة تمديد خط السقاية لمثلث اتحاد الفلاحين بالسرعة القصوى، والذي تم قطعه بسبب أعمال الصيانة في الشارع العام، ولم يتم إعادة وصله حتى تاريخ إعداد هذه المادة.
فقد أوضح المهندس (طه نشاوي) أن صيانة أعمدة الإنارة في أغلب الحدائق ومنها حديقة البرامكة ضرورة ملحة وذلك لتزويدها بالطاقة الشمسية المناسبة , وإعادة تأهيل ملاعب الأطفال ووضع ألعاب جديدة، بالإضافة إلى تركيب خيمة وقبة من الشمس فوق الملعب.
بينما تحدث (أنس دريعي ) عن ضرورة إعادة تأهيل دورات المياه، وتخصيص قسم خاص لذوي الاحتياجات الخاصة، وتعيين حارس ليلي في الحدائق، وعدد من العمال لتخديم الحدائق والأحراش من تنظيف وسقاية وزراعة وتقليم.
أما في حديقة باب سريجة الموجودة في منتصف شارع خالد بن الوليد مقابل جامع زيد، والتي تعتبر المتنفس الوحيد لسكان الحي فهي تعاني من الإهمال الذي دفع أصحاب البسطات والمحال المحيطة بالحديقة إلى رمي القمامة والصناديق الفارغة فيها، والمظلات بشكل يومي، وكأنها تحولت إلى مستودعات لهم، وكذلك وضع الشوادر على سور الحديقة وربطها بالأشجار مما أدى إلى تشويه المظهر العام للحديقة والمنطقة بالكامل دون وجود أي متابعة من قبل الجهات المعنية بالحدائق .
بينما تم إغلاق أحد أبواب الحديقة المطل على سوق باب سريجة بسبب انتشار البسطات وتمركزها في المنطقة .
الأنقاض تشوه ملامح حديقة الجلاء
وبناء عل المشاهدات الميدانية، وشهادات عدد من الأهالي، نجد أن حديقة الجلاء الواقعة في المزة مليئة بالأتربة والأنقاض، ما يتطلب تنظيفها وترحيل الأنقاض منها، وهي تعاني كما أغلب حدائق دمشق من الإهمال المتراكم منذ سنوات، وعدم المتابعة، ما دفع المتشردين إلى كسر وسرقة خشب مقاعد أغلب الحدائق خاصة في أطراف المدينة ، وبالتالي فهي بحاجة إلى مقاعد جديدة ، وتأهيل الإنارة، وغرف العمال فيها، ومنع أصحاب البسطات من التجاوز عليها ورمي الأوساخ.
نقص الكوادر وتواضع الإمكانيات
“الثورة” طالعت مديرية حدائق دمشق بمجمل هذه الشكاوى, وبدورها أوضحت أن المديرية تواجه حالياً عدداً من التحديات الأساسية، التي يمكن تلخيصها في نقص الكوادر البشرية المؤهلة، حيث نعاني من نقص واضح في عدد العمال، خصوصاً أصحاب الخبرة مثل الكهربائيين والميكانيكيين، وكذلك العمال المتخصصين في الشؤون الزراعية, كما أن نسبة كبيرة من العمال الحاليين هم من كبار السن، مما يشكل تحديًا في إنجاز الأعمال بكفاءة, إضافة إلى قلة المعدات والآليات الزراعية الحديثة، ذلك أن المعدات المتوفرة حالياً قديمة، وغالبها معطّل منذ سنوات، وهي من مخلفات النظام المخلوع, و لا تفي بحاجة العمل، وتزيد من الجهد العضلي المبذول من قبل العمال, ومع ذلك، يتم حالياً تأمين آليات وصيانة بشكل تدريجي بحسب الإمكانيات المتوفرة.
ظاهرة السرقة
وأشارت مديرية الحدائق أن هناك سرقات متكررة للمعدات الكهربائية الخاصة بالآبار، وأجهزة الإنارة، والكابلات، وخراطيم السقاية, وقد ازدادت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ بعد التحرير، حيث سُرقت محولات كهربائية، وأثاث من الحدائق. ويتم حالياً العمل على ضبط هذه الحالات وإعادة تأهيل ما يمكن إصلاحه.
وأوضحت المديرية أن المساحات المزروعة من مروج وأشجار وشبكات ري تتعرض باستمرار للتخريب غير المقصود من قبل المواطنين، نتيجة قلة الوعي البيئي وازدياد أعداد الزوار للحدائق والساحات، ما يسبب أعباء مالية إضافية, كما أن التقنين الحاصل في الكهرباء يؤثر سلباً على عمليات الري، مما يعيق الحفاظ على المساحات الخضراء بالمستوى المطلوب.
خطط للطاقة الشمسية
وفي ظل هذا الواقع المتردي عمدت مديرية الحدائق بدمشق إلى التعاقد مع عمال موسميين بشكل تدريجي لتغطية النقص، وتفعيل نظام الرقابة والمتابعة على الالتزام بالدوام, بالتوازي مع العمل على نشر الوعي المجتمعي للحفاظ على النظافة والمساحات الخضراء من خلال حملات توعوية، والتعاون مع المجتمعات المحلية, والعمل حاليًا على تأمين الآليات والصيانة بشكل تدريجي، عبر التنسيق مع المحافظة، وفق الإمكانيات المتوفرة.
كما أن العمل قائم على تنفيذ خطة لتغذية الآبار والإنارة في الحدائق بالطاقة الشمسية، بهدف تقليل الاعتماد على الكهرباء النظامية, فضلاً عن الإصلاحات الدورية للكراسي والإنارة، وأعمال النظافة بشكل يومي، حسب الإمكانيات، وهناك خطة لإعادة تأهيل بعض الحدائق الكبرى مثل حديقة (الطلائع) في المزة، التي تحتاج إلى خطة متكاملة.
ردود عملية ومشاريع قائمة
وفيما يتعلق بواقع حديقة البرامكة، تم إصلاح البئر مرتين، ونعمل الآن على خطة لتجهيزه بالطاقة الشمسية, أما دوار كفرسوسة ومنصة تشرين، يوجد شبكة ري تم إصلاحها، وهناك تحسن ملحوظ في الوضع العام.
بالنسبة إلى مثلث اتحاد الفلاحين، ننتظر الموافقة على رخصة حفر الطريق لربط المثلث بشبكة الري, فيما تم لجهة حديقة باب سريجة، وحديقة خلف مشفى المجتهد، التواصل مع المحافظة لإزالة التجاوزات، وهناك تعاون مع المجتمع المحلي لإعادة تأهيل هذه المساحات.
وفيما يتعلق بظاهرة التشرد وما ينتج عنها من تخريب وهدر، يتم إرسال كتب مخالفات دورية للجهات المختصة، أما أعمال الصيانة اليومية التي طالبتم بها من خلال الشكاوى الواردة إلى صحيفة الثورة ، فنحن نحرص على أن تتم أعمال تنظيف الحدائق والساحات بشكل يومي، بالإضافة إلى ورشات العمل المتخصصة مثل ورشة الآبار، الري، الحدادة، الكهرباء، وغيرها، والتي تعمل حسب التوجيهات والأولويات, كما تم وضع خطة لتفعيل نظام الحراسة، وتعيين حراس جدد في الحدائق للحد من التخريب والسرقة.
بالمحصلة..
تؤكد مديرية حدائق دمشق أنها تعمل وفق خطة واضحة ضمن الإمكانيات المتاحة حاليًا على مواجهة التحديات والتعامل معها بشكل مستمر ويومي، وتسعى لتحقيق التحسن تدريجياً بالتوازي مع توافر الإمكانيات.
الثورة- لينا إسماعيل
