
تتسارع الأحداث الميدانية المرتبطة بتنظيم «داعش» في سوريا خلال الفترة الأخيرة من محاربة متعددة الأوجه للتنظيم، سواء عبر الاستهداف المباشر بالمسيرات لشخصيات معينة أو قادة محددين،
أو عبر التنسيق الأمني العابر للحدود مع دول الجوار، وتحديداً العراق وتركيا، مما يشي بنوع من التنسيق غير المعلن بين السلطات السورية والتحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وهو المطلب الدولي الرئيسي من رئاسة أحمد الشرع.
تأتي هذه الاستهدافات المتصاعدة، وآخرها عملية تركية-سورية مشتركة تم تنفيذها أمس الأحد، وقتلت 8 من أصل 14 مطلوباً، في الوقت الذي يُعيد فيه تنظيم «داعش» رسم استراتيجيته في سوريا، مستغلاً حالة عدم الاستقرار في مساحات شاسعة من البلاد.
وفي غضون أيام قليلة، نفّذت طائرة مسيّرة تابعة للتحالف الدولي ضربة موجّهة، استهدفت منزل أحد أعضاء التنظيم، ويُدعى هاشم رسلان في بلدة التمانعة بريف إدلب، مما أدى إلى مقتله على الفور، ولم يتم التأكد من رتبته،
فيما قامت قوات التحالف بضربة جوية استهدفت القيادي عمر عبد القادر بسام، الملقب بـ«عبد الرحمن الحلبي»، في عملية مشتركة مع جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، وقوات خاصة تابعة للجيش السوري، انتهت أيضاً بمقتله.
وقبل ذلك بوقت وجيز، وتحديداً خلال شهرَي يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين، شنت قوات التحالف حملتَيْن على قياديين بارزَين عراقيّين في تنظيم «داعش» داخل سوريا؛ الأولى في مدينة الباب شمال حلب ضد ضياء مصلح الحرداني، والأخرى في أطمة بريف إدلب ضد صلاح نعمان الجبوري.
والأخير هو شقيق معتز نعمان الجبوري، المعروف بـ«حجي تيسير» الذي شغل منصب «والي العراق» في تنظيم «داعش»، وكان يُعد نائباً لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، ومسؤولاً عن شؤون «الولايات البعيدة»، المكلفة بإدارة خلايا التنظيم في أفريقيا وآسيا والتخطيط للعمليات الإرهابية الخارجية.
وفي المقابل، سارع «داعش» إلى الرد بعمليات انتقامية، كان أبرزها تفجير انتحاري استهدف حاجزاً للأمن السوري في الميادين شرق البلاد، إلى جانب هجمات أخرى متفرقة في البادية السورية وريف حلب الجنوبي.
وبموازاة العمل العسكري، شنّ التنظيم أيضاً حملة إعلامية عبر صحيفته «النبأ»، واصفاً العمليات المشتركة بين دمشق والتحالف الدولي بأنها «أشد بشاعة من مجزرة الكيماوي» في الغوطة الشرقية، متهماً حكومة الشرع بأنها «عدو الإسلام»، وامتداد لما يصفه بـ«الطاغوت» في حربه على «الحركات الجهادية».
الملاذ الآمن في المدن
في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، كشف قائد عسكري في الجيش السوري، وكان سابقاً أحد أبرز قادة «هيئة تحرير الشام» في مواجهة «داعش»، عن تحولات في استراتيجية التنظيم.
وقال القيادي، الذي فضّل عدم كشف اسمه، إن «(داعش) نشط جداً في سوريا الآن من حيث الانتشار، فهو يوجد في كل المناطق تقريباً، خصوصاً في ريف دمشق والمنطقة الوسطى وحتى إلى الساحل، بعدما انتقل من البادية إلى المدن حيث الملاذ الآمن».
وأشار المسؤول إلى أن التنظيم يستغل ذريعة «عدم تطبيق الشريعة وفق ما تراه الجماعات المتطرفة، في كسب الاتباع والتجييش ضد الحكومة»، كاشفاً عن أن «دعاية التنظيم الشرعية تلقى تأثيراً داخل بعض الفصائل التي تشكل جزءاً من الجيش السوري، خصوصاً بين المهاجرين (المقاتلون الأجانب)». وعدّ القيادي السوري «عدم تطبيق الشريعة يقوّي حجة التنظيم في غياب من يرد على حججه الشرعية من قبل الحكومة».
وحول عدم فتح التنظيم مواجهات كبيرة، أوضح القيادي أن هذا «السكون مقصود. هم في وضع الإعداد والتجهيز، ولا يوجد ضعف»، لافتاً إلى أن «أطرافاً كثيرة» ممكن أن تستخدم «داعش» وتخترقه.
قدرات التنظيم وتمويله
عدّ الباحث في مركز «جسور للدراسات»، فراس فحام، العمليات النوعية الأخيرة «لا تؤثر كثيراً على التنظيم، لأنه يعتمد منذ سنوات على مبدأ الخلايا اللامركزية، وقلّص من اعتماده على التسلسل الهرمي، وبالتالي لا يتأثر بمقتل قادته». لكنه استدرك بأن «التأثير قد يكون من الناحية المالية، لكون القادة مطلعين على الشبكات المالية».
وحول التعاون بين حكومة دمشق والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، رأى فحام أن «هذا التنسيق موجود سابقاً، لكنه كان غير معلن. أهميته الآن أنه أُعلن منذ وصول الحكومة الجديدة، مما أسهم في إحباط عدد من عمليات (داعش)».
ولفت فحام إلى أن «الولايات المتحدة تخطط لتقليص وجودها العسكري في سوريا، وتريد قبل ذلك ضمان شريك قوي يسيطر على كامل الأراضي ويمنع ظهور (داعش)».
وحول الشق المالي يرى الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب أحمد سلطان، أن شبكات التهريب لا تزال تمدّ «داعش» بالتمويل، قائلاً: «يعتمد التنظيم على خلايا متناثرة ولا مركزية.
كما هرّب العديد من عناصره من السجون بعد سقوط النظام، وما زال لديه تواصل مع مجموعات في أفريقيا وآسيا، لكنه يعاني من ضعف في التجنيد بسبب النفور الشعبي من مشروعه بعد تجربتَي العراق وسوريا».
وبعكس الآراء السابقة، يرى سلطان أن التنظيم «لا يشكّل حالياً تهديداً كبيراً على حكومة دمشق التي باتت جزءاً من التحالف الدولي ضده»، مشدداً على أن استراتيجية «داعش» حالياً «ستتمحور حول هجمات خاطفة لاستنزاف حكومة الشرع، مع استبعاد سيطرته على مناطق جغرافية لضعف إمكانياته».
تجفيف المنابع
التنسيق المعلن بين دمشق وواشنطن في استهداف «داعش» يمثّل نقطة تحول تتجاوز إطار العمليات الميدانية، فهو وإن كان مقتصراً على مكافحة الإرهاب في الظاهر، لكنه يحمل أبعاداً أوسع، حسب الباحث في الجماعات المسلّحة رائد الحامد؛ فهو يحاول «تقديم ضمانات بالاستقرار ومنع عودة التنظيمات الإرهابية التي تراهن على إحداث حالة من الفوضى الأمنية لإضعاف الحكومة واستقطاب عناصر جديدة من الساخطين».
لكن نجاح هذا التعاون بين دمشق وواشنطن، وفق الحامد، «يبقى مرهوناً بقدرة الأطراف الفاعلة على توسيع نطاق العمليات من مجرد استهداف عسكري إلى تجفيف منابع التمويل والدعم اللوجيستي. والأهم من ذلك، هو أن يتبع هذا التعاون العسكري تنسيق سياسي يحل الأسباب الجذرية للصراع في سوريا؛ لأن استمرار حالة عدم الاستقرار يُعدّ أرضية مثالية لنمو الجماعات المسلّحة وتجددها».
الشرق الأوسط














