بدء عودة أهالي حي السومرية في دمشق إلى منازلهم

بدأ الأهالي بالعودة إلى منازلهم في حي السومرية بالعاصمة السورية دمشق، بعد السماح لمن غادر خلال الأيام الماضية بالعودة، مع استبدال عناصر الأمن المسؤولين عن الحي بعناصر أكثر انضباطاً، بحسب مصدر مُقرب من وزارة الداخلية السورية، في حديث لـ”العربي الجديد”.
وفي السياق، أوضح المحامي محمد نبيه، لـ”العربي الجديد”، أنّ منطقة السومرية “مُقامة على العقار رقم 3603 من منطقة المعضمية العقارية (مساحته 993 دونماً)، ولا يزال مسجّلاً حتى الآن باسم ملّاك من أهالي المعضمية، وليس أملاك دولة كما هو الحال في معظم مناطق العشوائيات البالغ عددها 86، إذ تقع غالبيتها على أملاك عامة”.
وأشار نبيه إلى أنّ العقار خضع لعدة إشارات استملاك منذ ستينيات القرن الماضي، منها: القرار الاستملاكي رقم 436 لعام 1960 لصالح وزارة الشؤون البلدية، والعقد رقم 1076 لعام 1980 لصالح وزارة الإسكان والمرافق، والعقد رقم 1081 لعام 1991 لصالح محافظة دمشق، والعقد رقم 1153 لعام 2014 لتكليف استملاك جزئي.
لكن نبيه شدد على أنّ “هذه الاستملاكات لم تُنفذ حتى الآن، ولم تُدفع قيمتها لمالكي العقار، ما يدل على بقاء ملكيته باسم الأهالي حتى اليوم، وهو ما يثير الدهشة ويفتح باب التساؤلات”، مؤكداً أنّ “الاجتهاد القضائي لمجلس الدولة يعتبر أنّ تأخر الإدارة في تنفيذ مرسوم الاستملاك لعقود طويلة سببٌ كافٍ لإلغاء الاستملاك”.
وبيّن المحامي أنّ المنطقة تضم نحو 200 منزل عشوائي بُنيت بطريقة وضع اليد قرب كراج السومرية، لافتًا إلى أنّ معظم السكان يملكون فقط فواتير كهرباء لا تكسبهم حق الملكية، باستثناء قلة منهم يحملون أحكامًا قضائية تثبت إشغالهم.
وأضاف: “الوضع القانوني معقد، إذ إن العقار ليس أملاك دولة بل ملكية خاصة، فيما يُعتبر كل من الدولة (الكراج والمباني الرسمية) والسكان واضعي اليد بشكل غير قانوني”.
وأوضح نبيه “المالكون يملكون نظرياً الحق بمراجعة القضاء عبر دعاوى نزع اليد أو أجر المثل أو إلغاء الاستملاك، لكن عمليًا الطريق القضائي مليء بالعراقيل ولا يُنصح بسلوكه”، معتبرًا أنّ “الدولة تستطيع تنفيذ الاستملاك في أي لحظة وفق القانون رقم 20 لعام 1983، لكنه قانون مجحف بحق الملّاك، إذ حرمهم من ثمار ملكيتهم لعقود”.
وأشار إلى أنّ “مشكلة أهالي المعضمية لا تقتصر على عقار السومرية، بل تشمل عقارات استراتيجية أخرى مثل مطار المزة القائم على العقار رقم 2427 من المعضمية، والذي لا يزال مسجّلًا باسم الأهالي حتى اليوم، من دون دفع أي تعويض لهم”.
وفي تطور متصل، حصل “العربي الجديد” على وثيقة صادرة عن محافظة دمشق – مديرية التنظيم والتخطيط العمراني بتاريخ 19 فبراير/شباط 2025، رداً على شكوى قدمها أهالي حي السومرية. وتوضح الوثيقة أنّ العقار 3603 خضع للمرسوم الاستملاكي رقم 2431 لعام 1985، الذي شمل عقارات من المزة والمعضمية بغرض التنظيم وفق القانون رقم 60 لعام 1979.
وذكرت الوثيقة أنّ الاستملاك شمل نحو 80 هكتاراً تضم 925 وحدة سكنية، محلات تجارية، مباني عسكرية، مركز أبحاث صناعية، وكراج انطلاق بيروت والجنوب، إضافة إلى مدارس. كما أشارت إلى أنّ قيمة العقار خُوّمت بمبلغ 7.975.040 ليرة سورية وأودع المبلغ في مصرف سورية المركزي عام 2003 باسم أحد المالكين وشركائه، لكن مديرية السجل العقاري لم تُنهِ إجراءات الفراغ حتى اليوم.
وبحسب الوثيقة، جرى تشكيل لجنة “حل الخلافات” بقرار من وزير العدل عام 2004 للنظر في ادعاءات الملكية والحقوق، وأصدرت اللجنة قرارات بتثبيت ملكية الإشغالات السكنية والتجارية على أرض العقار، مع وعود بتأمين سكن بديل للمستحقين وفق الأسعار الرائجة، إضافة إلى منح المالكين الأصليين مقاسم تنظيمية ضمن مشروع المعضمية.
وختمت محافظة دمشق ردها بالتأكيد أنّ “أي قرار يتعلق بالإخلاء أو الهدم أو التعويض ضمن العقار 3603 لا يمكن أن يتم إلا بقرار رسمي من المحافظة، كونها الجهة المسؤولة عن الاستملاك”، مقترحةً إبلاغ الجهات المحلية بعدم اتخاذ أي إجراء إداري في الحي دون الرجوع إليها.
وكان محافظ دمشق، ماهر مروان إدلبي، قد أكد يوم الأربعاء الفائت، التزام المحافظة بمعالجة قضية حي السومرية العشوائي، الذي شهد توترًا أخيرًا عقب توجيه طلبات إخلاء لعدد من قاطنيه، في إطار القوانين المرعية.
وأوضح أنّ جوهر المشكلة يعود إلى تراكم “الاستملاكات الجائرة والفساد العقاري” خلال عقود حكم نظام الأسد، مشددًا على أنّ الدولة ملتزمة بحل هذه الملفات “بعدالة وشفافية”، بعيدًا عن أي تهجير قسري أو طرد خارج الأطر القانونية.
وقال إدلبي: “احترام حقوق الملكية واجب شرعي وقانوني وأخلاقي لا يجوز المساس به إلا عبر لجان قضائية مختصة أو قوانين عادلة تمنع الفوضى”، داعيًا الأهالي إلى التعاون بما يضمن الحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
ويقع حي السومرية على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من حي المزة غربي دمشق، حيث وُجهت إنذارات بالإخلاء إلى معظم سكانه، وسط تضارب الإحصاءات حول أعدادهم التي تتراوح بين عشرة آلاف و25 ألف نسمة، يقيم أغلبهم في المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وتعود تسمية الحي إلى سومر ابن رفعت الأسد، شقيق الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، الذي استولى على المنطقة في سبعينيات القرن الماضي، رغم أنّ ملكيتها تعود لأهالي مدينة المعضمية المجاورة.
وشهدت السومرية بناء وحدات سكنية لضباط جيش النظام المخلوع، إلى جانب مساكن عشوائية شيدها متنفذون في تلك الحقبة، جرى بيع قسم منها أكثر من مرة.
ويُصنَّف الحي ضمن المناطق السكنية المخالفة المحيطة بدمشق، على غرار حي الورود ومساكن الحرس وجادات قدسيا وحي تشرين، ويقطنها خليط من السكان، بينهم ضباط وعناصر أمن سابقون من الطائفة العلوية، إضافة إلى موظفين حكوميين محدودي الدخل يشكلون الغالبية.
العربي الجديد- محمد كركص