قصر العظم بدمشق… فخامة العمارة وروح التراث الشعبي
يُجسد قصر العظم بهيبته العريقة وروعة تفاصيله أحد أبرز معالم دمشق القديمة، حيث ينهض في قلب العاصمة شاهداً على جماليات العمارة الدمشقية وفنونها الأصيلة، ومقصداً للزوار الذين يجدون فيه مرآة للحضارة السورية وذاكرة نابضة بالتاريخ.
وتزداد روعة قصر العظم بما يحويه من تفاصيل فنية دقيقة تزيّن جدرانه وأسقفه، حيث تتداخل الزخارف الخشبية المزركشة مع فنون الخط العربي والرسوم النباتية والهندسية الملوّنة، لتشكل لوحات فنية نابضة بالحياة، أما بحراته ونوافيره المتلألئة وسط باحاته الرحبة، فتحاكي عذوبة الطبيعة وتضفي على المكان طابعاً من الهدوء والسكينة.
أقسام القصر ووظائفه
وبالحديث عن القصر، أوضحت مديرته صفاء أبو إدريس خلال حديثها لـ سانا أن قصر العظم كان بيت والي دمشق في القرن الثامن عشر، إذ بناه أسعد باشا العظم عام 1749 ميلادي (1163 هجري)، على مساحة واسعة تزيد على 5500 متر مربع، متبعاً في تصميمه طراز البيوت الدمشقية الكبيرة ذات الطابع المترف والفسيح.
وبيّنت أبو إدريس أن القصر يتألف من ثلاثة أقسام رئيسية تتوسطها أربع بحرات، وهي:
الحرملك: مخصص للسكن العائلي، ويضم طابقين، يحوي أحدهما حماماً مترف البناء، وقبة مثقبة لإدخال الضوء الطبيعي.
السلملك: مخصص لاستقبال الضيوف والأصدقاء ورجال السياسة والأعمال.
الخدملك: خاص بالخدم ومستودعات المؤن والمطابخ، وتوجد بداخله بحرة كبيرة تحيط بها غرف معيشة ونوم.
فن معماري وصناعات تقليدية
وأكدت أبو إدريس أن القصر يشكّل نموذجاً للعمارة الدمشقية المبكرة، إذ يضم 16 قاعة متحفية تعكس ملامح الحياة اليومية الدمشقية وصناعاتها التقليدية، من مشاهد تعليم الطلاب، ولقاءات المقهى الدمشقي، وطقوس العرس، إلى الصناعات اليدوية كالنسيج، والخشبيات، والخراطة، والصناعات الجلدية وغيرها.
وأوضحت أبو إدريس أن الأسقف داخل القصر صُممت وزُينت باستخدام الخشب المزخرف برسوم نباتية وهندسية وآيات قرآنية وخطوط عربية ملونة بألوان زاهية، كما استخدم الجص والصمغ العربي لتشكيل أسطح مزخرفة نافرة وهو ما يطلق عليه اسم “العجمي”، مشيرةً إلى أن قاعة الاستقبال كانت الأكثر زخرفة وفخامة.
ولفتت أبو إدريس إلى أن القصر غني بالحدائق الداخلية، حيث تنتشر فيه الأشجار المثمرة مثل الليمون والبرتقال والنارنج والكباد، إلى جانب الأعشاب الطبية والنباتات العطرية والياسمين الدمشقي، بينما تتدفق المياه من النوافير والبحرات التي تتوسط أروقته، في مشهد يجسد التناغم بين الطبيعة والعمارة، ويضفي على المكان طابعاً من السكينة والبهجة.
مقصد ثقافي واجتماعي
وحول الفعاليات التي يستضيفها القصر، أشارت أبو إدريس إلى أنه يشهد إقبالاً كبيراً من الزوار المحليين والأجانب، وخاصة بعد تحرير سوريا، حيث تُنظم فيه حفلات زفاف ومعارض وأنشطة ثقافية ورحلات مدرسية وجامعية للتعرف على التراث الدمشقي، وذلك بالتنسيق مع وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف.
الترميم والصون المستمر
وختمت أبو إدريس بالقول: “إن القصر خضع عام 1954 لأعمال ترميم شاملة من قبل مديرية الآثار والمتاحف، حيث حُوّل إلى متحف للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية، ولا تزال أعمال الترميم مستمرة للحفاظ على هذا المعلم التاريخي من تأثير العوامل الجوية وضمان بقائه شاهداً على عظمة التراث الدمشقي”.
سانا