محليات

دمشق تواجه صيفاً صعباً نتيجة تناقص مياه نبع عين الفيجة

تحولت المياه إلى مصدر قلق يومي لملايين من سكان العاصمة السورية دمشق وريفها، بعد انخفاض غزارة المياه في نبع عين الفيجة إلى مستويات قياسية،

ما أثار حالة ذعر دفعت سكان المدينة إلى البحث عن طرق بديلة لتأمين حاجاتهم اليومية، وسط خشية من بلوغ التقنين حد حصولهم على المياه يوماً واحداً بالأسبوع.

في كل مرة يمر فيها من منطقة وادي بردى، لا يفوّت ماهر الحسن فرصة تعبئة المياه من نبع الفيجة، الذي يغذي دمشق بمياه الشرب. ويقول لـ”العربي الجديد”: “مياه النبع نقية ولها طعم مختلف”.

بدورها، تحرص جمانة الأسعد، من حي الصالحية، صباح كل يوم على تعبئة المياه من أحد صنابير النبع، وتخبر “العربي الجديد” أن “مياه النبع نظيفة، حتى أن الشاي يصبح أحلى، وأشعر بالاطمئنان عندما يشرب أبنائي منها”.

أما العشريني سامر البرقوق، فيعتبر تعبئة المياه من النبع تقليداً عائلياً، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أبي يجهز الشاي صباحاً من ماء الفيجة، يقول إن مذاقه أفضل من أي مياه أخرى”. يضع سامر العبوات البلاستيكية على دراجته، ويتجه بها نحو المنزل. ويضيف: “صار النبع جزءاً من حياتنا اليومية، لا يمكن أن نتخلى عنه. حتى لو وصلت مياه المؤسسة، يبقى الشعور مختلفاً عند شرب مياه الفيجة مباشرة، وكأنها تعطيك طاقة صباحية”.

ويغطي نبع الفيجة نحو نصف الاحتياجات اليومية للمدينة، ويعتمد عليه الملايين بشكل مباشر، كما يحمل أهمية تاريخية وثقافية، فهو أحد أقدم مصادر المياه في دمشق، وقد ارتبط بالمدينة منذ العهد العثماني، وشُيّدت حوله الشبكات الأولى لتوزيع المياه، وتطورت مع الوقت لتشمل خزانات وأنابيب ومشاريع تغطي مختلف أحياء العاصمة.

ويشير اعتماد دمشق على هذا النبع إلى هشاشة الوضع المائي المرتبط بتقلبات الطقس ونقص الأمطار وتغير المناخ، إضافة إلى الأعطال التقنية في المصادر الثانوية، ما يعني أن أي تراجع في غزارة النبع يؤثر مباشرةً في قدرة الشبكة على تغطية الطلب المتزايد، ما يضع المؤسسات المعنية أمام تحديات كبيرة لضمان استمرارية الإمداد.

ويؤكد رئيس مركز نبع الفيجة والقطاع الغربي في مؤسسة مياه دمشق وريفها، خالد حسن، لـ”العربي الجديد”، أن “صيف هذا العام كان صعباً على دمشق وريفها نتيجة تراجع غزارة الينابيع، ما دفع المؤسسة إلى إعلان حالة طوارئ. وضعنا خطة من أربعة بنود لتعويض النقص، من بينها إعادة تشغيل أكثر من 400 مصدر مائي، وتنظيم أدوار توزيع المياه بين الأحياء، وإطلاق حملات لترشيد الاستهلاك بالتعاون مع وزارات الإعلام والصحة والتربية والتعليم”.

ويضيف: “في عام 2024 وصلت غزارة نبع الفيجة إلى 10 أمتار مكعبة في الثانية، مع ذروة 20 متراً مكعباً في الثانية، ما وفر فائضاً نسبياً لتلبية احتياجات دمشق. أما هذا العام، فقد انخفضت الغزارة إلى مترين مكعبين في الثانية فقط، أي ما يغطي نحو نصف الحاجة تقريباً، ما دفعنا إلى إعلان حالة الطوارئ واتخاذ إجراءات فورية لضمان استمرار تزويد المدينة بالمياه وتفادي أي نقص يؤثر على المواطنين”.

ويلفت إلى أنه “عندما يفيض نبع الفيجة نوقف بقية الآبار بشكل تلقائي، ولكن هذا العام اضطررنا إلى الاعتماد عليها بشكل قسري، ما يشكل خطراً على الأمن المائي. الوضع الحالي أجبر المؤسسة على استجرار المياه من آبار دمشق نفسها، وهو أمر غير معتاد في الظروف العادية، محذراً من أن استمرار هذا النمط سيؤدي إلى انخفاض إضافي في مناسيب المياه، وربما إلى جفاف بعض الآبار”.

ويؤكد حسن أن الوضع لم يصل إلى حد العطش، لكنه يقرّ بأن المصادر الحالية غير مستدامة، مشيراً إلى مشاريع استراتيجية قيد الدراسة لاستجرار مياه صالحة للشرب من الساحل السوري، ودراسة إمكانية تحلية مياه البحر، مع الإشارة إلى أن إعداد الدراسات قد يستغرق نحو عامين، يليها تمويل وتنفيذ المشاريع، الذي قد يستغرق سنوات إضافية عدة.

ويرى خبير الموارد المائية، فراس جودت أن “الوضع الحالي يعكس هشاشة شبكة المياه في دمشق، وفي حال وصل التقنين إلى مستوى يوم واحد أسبوعياً، فإن السكان سيواجهون صعوبة بالغة بتلبية احتياجاتهم، خصوصاً الأسر الكبيرة والمستشفيات والمدارس”.

وأضاف لـ”العربي الجديد”: “البدائل تكمن بتخزين المياه مسبقاً في الخزانات المنزلية، والاستعانة بصهاريج المياه الخاصة، وتحسين كفاءة استخدام المياه. كما يجب أن تستثمر الدولة بمشاريع استراتيجية لتأمين مصادر إضافية، مثل تحلية مياه البحر واستجرار المياه من الساحل السوري، لتقليل الاعتماد على مصدر واحد”.

وعلى مدار عقود، لم يكن النبع مجرد مصدر مياه، بل رمز للثقافة المحلية، فقد اعتاد السكان تعبئة المياه مباشرة من النبع، وعُرفت مياهه بنقاوتها وطعمها المميز، ومع التوسع العمراني وزيادة الطلب على المياه، صار النبع محورياً في خطط الإمداد، ما يعكس أهميته الاستراتيجية وضرورة الحفاظ عليه.

العربي الجديد- نور ملحم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى