
على تلة تعانق الريح قرب منطقة الصفصافة في محافظة طرطوس، يتربع دير مار إلياس الريح شاهداً على قرون من التاريخ والعمارة القديمة الأثرية.
يقع دير مار إلياس الريح الأثري للروم الأرثوذكس- حسب مؤرخ الآثار بسام القحط- في قمة هضبة تشرف من جهة الغرب على البحر الأبيض المتوسط، ضمن منطقة سهل عكار الغربي في محافظة طرطوس، ويطل الدير على وادي نهر الأبرش التاريخي، الذي يقع في جهة الدير الغربية،
وفي أسفل منحدر الدير، وعلى مجرى هذا النهر، بنى رهبان الدير طاحونة الدير الأثرية المعروفة باسم طاحونة (الجكرة المائية )، والمخصصة لتزويد رهبان الدير والقرى المجاورة بالطحين والبرغل منذ الزمن القديم وحتى منتصف القرن العشرين، منوهاً بأن سبب تسميته بالريح نسبة إلى قرية ضهر الدير المسيحية الصغيرة المجاورة، المسماة في السجلات القديمة قرية، أو مزرعة (الريح).
وبين القحط لمراسلة “الثورة” أن موقع دير مار إلياس الريح الذي يتوسط الطريق الروماني القديم بين مدينتي طرطوس وصافيتا، جعله عبر تاريخه الطويل، وحتى اليوم، محجّة دينية للمسيحيين في المدينتين، ومزاراً للمؤمنين القادمين من كافة أنحاء سوريا،
وخاصة خلال عيد مار إلياس الريح في 20 من شهر تموز من كل عام، والذي كانت تسبقه في الماضي احتفالات شعبية وعرض سوق شعبي في المنطقة المحيطة بالدير، عرف بـ (العرضي)، حيث كانت تعرض فيه منتجات المنطقة الزراعية حتى العام 1963.
مخطط الدير
مخطط الدير المعماري- وفق القحط- هو بشكل مربع مستطيل، وهذا النموذج المعماري من نماذج بناء الأديرة السورية القديمة، إذ تتوسط المربع ساحة الدير الواسعة غير المسقوفة في المنتصف، وفي جهتها الغربية يوجد المدخل الرئيسي للدير، ومقابل هذا المدخل في أقصى الشرق، تتمركز كنيسة الدير الأثرية المقبية بشكل عقد حجري على اسم القديس مار إلياس شفيع الدير،
فيما باقي الدير مؤلف من مجموعة أقبية حجرية، تحيط بالباحة المفتوحة، وهي تغلق المربع من الجهات الثلاث الغربية والشمالية والجنوبية، لتشكل هذه الأقبية مع الكنيسة المركزية الطابق الأرضي من الدير، وقد شيدت فوق تلك الغرف المسقوفة بعقود للطابق الأول وعلى فترات متعددة مجموعة من الغرف، تشكل بمجملها الطابق الثاني من الدير،
وهي تستعمل للاستقبال والنوم والطعام من قبل إدارة الدير وزواره، فيما ساحة الدير المركزية الداخلية، الفتحة العلوية المغلقة على مستوى أرضية الساحة لصهريج مياه ضخم تحت ارضي يعود للعام 1912 وهو مخصص لتزويد الدير بالمياه العذبة.
تاريخ الدير
يعود تاريخ دير مار إلياس الريح الحالي- حسب القحط- إلى العام 1806، وقد بني على أنقاض دير أثري رومي بيزنطي أقدم بكثير، يعود إلى القرن الرابع الميلادي، حيث توجد إلى اليوم آثار منه، لا تزال في ساحة الدير الداخلية أمام الكنيسة، وهي عبارة عن قواعد أعمدة حجرية منحوتة من البازلت الأسود الأثري،
وقد أحضر البعض منها من بقايا الدير القديم، الواقع على بعد مئات الأمتار من الدير الحالي على منحدره الجنوبي والمعروف باسم (منخفض أم العبد)، والذي كان يوجد فيه العديد من الصوامع والمناسك الصغيرة، التي كان يسكنها الرهبان والنساك المسيحيون في زمن الاضطهاد الروماني الوثني للديانة المسيحية قبل 18 قرناً.
وفي منطقة منخفض أم العبد، توجد أيضاً عين ماء أثرية مهمة، كانت غزيرة جداً في الماضي، هي نبع (بئر الحريباتي)، عين الماء الأثرية الرئيسية لدير مار إلياس، حيث تصب مياهها في نهر الأبرش أسفل المنحدر.
كنيسة الدير الأثرية
ووصف القحط الكنيسة بأنها عبارة عن قبو حجري أثري رائع، عمره أكثر من مئتي عام، والكنيسة تضم من الداخل الايقونسطاس (حامل الأيقونات الرئيسي) الذي يعلو الحاجز الفاصل بين هيكل الكنيسة وبهو المصلين.
وهو من الخشب المشغول في نهاية القرن التاسع عشر، ويعتبر روعة في الفن الكنسي السوري القديم، لافتاً إلى أنه يوجد على يمين الكنيسة قرب الهيكل في الأعلى درج مؤلف من ثلاث درجات، يتربع كرسي رئيس أساقفة عكار (مطرانية عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس)،
ومطرانية عكار هي المطرانية التي يتبع لها الدير منذ قديم الزمان إلى اليوم، وهي تضم رعايا الروم الروحية الكنسية في مناطق (طرطوس وصافيتا ووادي النصارى وسفوح جبل الحلو)، كما تشمل رعايا الروم في قضاء عكار الواقع ضمن الجمهورية اللبنانية المجاورة، وكرسي رئيس الأساقفة مثلها مثل الايقونسطاس أيضاً هي مصنوعة من الخشب الأثري المشغول بحرفية عالية جداً،
كما تضم الكنيسة مجموعة رائعة من الأيقونات الأثرية البيزنطية الرائعة، التي تعود إلى مدرستي حلب والقدس في فن رسم الأيقونة البيزنطية.
الثورة- فادية مجد