السويداء.. مدينة تبحث عن النور بعد عقود من التعتيم المتقصد

بعد أكثر من عقدٍ مزقت الحرب خلالها البلاد وحولها نظام الأسد المخلوع إلى ساحة للصراعات، تجهد مدينة السويداء لتطل من على جبل العرب كشجرة تين تُنشد السلام، وتلتقي حجارتها البازلتية الأثرية مع أحلام جيلٍ يريد بناء مستقبلٍ مختلف.

في قلب الجنوب السوري، تتلاقى حضارات قديمة تمتد لأكثر من 5200 سنة مرت، مع جمال الطبيعة البكر، وهناك تقبع مدينة كجوهرة مخفية تنتظر من يكتشف أسرارها، مدينة لا يمكن اعتبارها إلا تحفة تاريخية وثقافية، تجمع بين الآثار الرومانية والبيزنطية والنبطية، وتراث طائفة الموحدين الدروز، وتحكي أزقتها قصصاً ترجع لآلاف السنين.

الموقع والسكان

السويداء، هي مركز المحافظة السورية الجنوبية التي تحمل الاسم ذاته، وتبلغ مساحة المحافظة 5.55 ألف كيلومتر مربع تشكل نحو 3 في المئة من إجمالي مساحة سوريا البالغة 185.17 كيلومتر مربع، أما مدينة السويداء فتشغل مساحة تبلغ نحو 38 كيلومتراً مربعاً بطول يزيد عن 7.5 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، وبعرض يبلغ نحو 5 كيلومترات.

تقع المدينة إلى الجنوب من العاصمة السورية دمشق بما يزيد قليلاً عن 100 كيلومتر، وهي على ارتفاع نحو 1025 متراً عن سطح البحر، ما يعطيها مناخاً معتدلاً صيفاً وبارداً شتاء، ومعظم سكانها من الدروز إلى جانب أقلية من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ونسبة صغيرة أيضا من المسلمين السنة.

بلغ عدد سكان مدينة السويداء حتى نهاية عام 2023، حسب إحصائية أصدرها حينها محافظ السويداء بسام بارسيك اعتماداً على أرقام المديرية العامة للأحوال المدنية 89679 نسمة من عدد سكان المحافظة البالغ في ذات التاريخ 569861 نسمة.

ترتبط المدينة مع المحافظات المحيطة بها بشبكة من الطرق، لكن المحافظة الحدودية مع الأردن، هي الوحيدة التي لا يربطها أي معبر بري خارجي، كحال باقي المحافظات السورية الحدودية سواء مع الأردن مثل درعا، أو مع لبنان مثل محافظات ريف دمشق وحمص وطرطوس، أو مع تركيا مثل اللاذقية وإدلب وحلب والرقة والحسكة، أو مع العراق مثل الحسكة ودير الزور وريف دمشق.

إهمال متقصّد

لم تكن مدينة السويداء وحتى المحافظة كلها، محل رعاية واهتمام من نظام البعث وعائلة الأسد لعقود طويلة، بل تعرضت لنوع من الإهمال، وفي تصريح خص به «القدس العربي» قال عضو المكتب التنفيذي في السويداء المشرف على قطاع السياحة يامن معروف، إن المدينة وعموم المحافظة عانت من إهمال متقصد في معظم المجالات وخصوصاً السياحة، ولطالما رفض النظام السابق تسليط الضوء على هذا القطاع عبر تعتيم كامل وتشويش مقصود،

بل إن بعض المشاريع الإنشائية ذهبت باتجاه الإساءة لآثار المدينة، فالطريق المحوري الذي نفذته الحكومة داخل مدينة السويداء، قام القائمون عليه بتخريب مواقع أثرية ظهرت خلال الحفريات من دون أي اعتبار لهذا الكنز، وعمدت على محو هذه الآثار من دون أي احتساب لقيمتها التاريخية، مشدداً على أن التهميش المقصود للحالة السياحية في السويداء مرده إلى أن هذا القطاع كان سيمثل مصدر دخل كبير لمواطني المدينة وجاء ضمن الحصار المفروض على المحافظة حتى من الناحية الإعلامية.

وحسب معروف فإنه وعلى الرغم من وجود مقومات سياحية كبيرة داخل المدينة إلا أنها تفتقر في ذات الوقت إلى المرافق الكافية، فمجلس المدينة يمتلك فندقاً سياحاً واحداً إلى جانب عدد من الفنادق الصغيرة الخاصة، والمتحف الوطني في المدينة تعرض للإهمال ويحتاج إلى إعادته لألقه،

وكذلك الحال بالمواقع الأثرية المهمة في المدينة، مشيراً إلى أن واقع السياحة حاليا في السويداء لا يختلف كثيراً عن باقي المدن السورية، ومجرد أن تستقر الحالة الأمنية بشكل عام فإن الأمر سينعكس على هذا القطاع.

متحف المدينة

يختصر متحف السويداء تاريخ منطقة «البازلت الأسود» في المحافظة ويتميز بفن هندسته المعمارية والحجارة التي كست جدرانه من طبيعة المنطقة البركانية.

وحسب منشورات مديرية الآثار في السويداء، فإن المتحف تأسس في بداياته الأولى في الهواء الطلق على الجانب الجنوبي من المقر الحكومي الحالي، وكانت القطع الأثرية ومحتوياته قليلة ما بين عامي 1923-1925، ثم نقل إلى قاعة كبيرة كانت دار سينما إبان الاحتلال الفرنسي، ومع تبرع المواطنين بمنحوتات بازلتية تكونت نواة المتحف،

وتم بناؤه بشكله الحالي على عقار مساحته 5200 متر مربع وبمحيطه حديقة بمساحة 3650 متراً مربعاً. يشكل المتحف الوطني شاهداً حياً على آثار المنطقة الموغلة في القدم ومعلماً حضارياً يضم منحوتات وتماثيل بازلتية وقطعاً أثرياً تعود إلى مختلف العصور.

ويتألف المتحف الذي يقع على طريق السويداء، قنوات من مدخل رئيسي في جهته الغربية وبهو صمم على شكل مضافة عربية، ومركز استعلامات وحراسة، إضافة إلى صالات تشمل آثار ما قبل التاريخ وآثار العرب الأنباط، والفن النبطي والعصور الرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية، ولوحات فسيفساء وتماثيل آلهة ومنحوتات جنائزية، وكذلك قسم للغات والكتابات القديمة وصالة للتقاليد الشعبية تمثل العادات والتقاليد في جبل العرب والزي الشعبي التقليدي والصناعات اليدوية والأدوات المحلية القديمة.

يشاهد الزائر للمتحف في قسم ما قبل التاريخ في الصالة الأولى خزناً عرضت فيها مجموعة من أدوات صوانية تعود لتلك الفترة مكتشفة في موقع خربة الإمباشي وقطعة حجرية من الخبث البركاني ممزوجة مع عظام حيوانات مكتشفة في موقع الهيبارية، وأوانٍ فخارية تعود لفترة البرونز القديم إلى العام 3000 ق.م اكتشفت في بلدة ذيبين، فيما نشاهد في قسم الحياة الاقتصادية مجموعة من المنحوتات الحجرية البازلتية التي تعود للفترة النبطية وتضم أجزاء من المنازل والمعابد التي بناها العرب الأنباط.

تمثل موجودات الصالة الثانية العصر الروماني، وتحتوي على منحوتات بازلتية لأحصنة ونسور متعددة الأشكال منفردة أو محاطة بأفعى، ويرقد تحت هذه النسور رجلان إضافة إلى تماثيل بازلتية لرؤوس حيوانات خرافية كالعنقاء ومجموعة كبيرة من المذابح مختلفة الأشكال والأحجام وعلى بعضها كتابات يونانية ومجموعة زخارف بأشكال إنسانية وحيوانية ونباتية تعبر عن معتقدات وأساطير انتشرت في المنطقة.

في الصالة الثالثة التي تقع تحت القبة التي تتوسط المتحف، توجد ست لوحات فسيفساء اكتشفت في شهبا وتشكل أجمل موجودات المتحف بينها لوحة «مفاجأة أرتميس في الحمام» وأخرى تمثل ولادة وتبرج فينوس آلهة الحب والجمال عند اليونان،

إلى جانب تماثيل بازلتية لآلهة انتشرت في العصر الروماني مثل تمثال ربة النصر المجنحة وتمثال للربة أثينا وجزء من تمثال لهرقل وتمثال نصفي للإله جوبتير آمون وتمثال نصفي آخر لإله الشمس هيليوس ومنحوتات بازلتية لرؤوس نساء مصففة الشعر ولرؤوس رجال ملتحين.

في الصالة الرابعة تتوضع مجموعة من المنحوتات البازلتية من آثار العصر البيزنطي تمثل منحوتات معمارية وزخارف مزينة ولوحة فسيفساء تمثل الراهب سيرجيوس، عثر عليها في الكنيسة الكبرى في السويداء، ومنحوتات جنائزية عليها كتابات يونانية وشواهد لأبواب قبور، إضافة إلى حجارة مربعة ومستطيلة نقشت عليها كتابات باللغة اليونانية القديمة وكتابات نبطية وصفائية جلبت من وادي الرشيدة،

بينما في قسم العصر الإسلامي مجموعة من الآثار البازلتية والفخارية ونقوش كتابية عربية بالخط الكوفي وثلاث خزن تحتوي على نقود إسلامية ذهبية وفضية وبرونزية من العصر الأموي، وقدور فخارية تعود للعصر الإسلامي المبكر والأيوبي والمملوكي ولوحات ملونة تعبر عن تطور الأبجديات انطلاقاً من الأبجدية الفينيقية.

المدينة السوداء

حملت السويداء عبر تاريخها الكثير من الأسماء ومن بينها «جيرا نواي» وهي تسمية آشورية تعني الأرض المجوفة، و«ترايهونيتيد» وهي تسمية إغريقية تعني بلاد الحجارة، و«أورانتيد» أو «أورانتيس» وهي تسمية رومانية تعني بلاد المغرب، كما أسماها الرومان «أمالدانوس» لكثرة خيراتها وتوفر ينابيع المياه الصافية فيها، و«باشان» اسم أطلقه عليها الكنعانيون ويعني بلاد الخصب والماء، كما حملت اسم «سؤادا»، أي المدينة السوداء لطبيعتها البركانية وحجارتها البازلتية السوداء.

وسكن العرب القدامى خاصة الكنعانيين والآراميين، السويداء وكانت حينها جزءاً من مملكة دمشق الآرامية «أوبه»، كما كانت جزءاً من مملكة باشان زمن الملك الكنعاني عوج، الذي امتدت مملكته من جبل الشيخ حتى نهر الأردن، ثم سكنها العرب الأنباط الذين استطاعوا إخراج اليونانيين السلوقيين بعد معارك كان آخرها معركة موتو، وقضوا فيها على ملكهم أنطيوخوس الثالث عشر عام 88 ق.م.

وابتداء من القرن الأول ق.م انضوت السويداء تحت حكم الإمبراطورية الرومانية «ولاية سورية»، ثم دخلت ضمن منطقة الولاية العربية التي كانت عاصمتها بصرى بدءاً من القرن الثاني الميلادي، وحكمها القائد كورنيليوس بالما أحد قادة الإمبراطور ترايانوس بين عامي 117-98م، فازدهرت وتطورت خلال العصرين الروماني ومن ثم البيزنطي، وانتشرت فيها مختلف المباني المدنية والدينية، وغدت مركزاً هاماً من مراكز الحج المسيحي مع مركز بلدة قنوات.

ومن أبرز آثار المدينة، البازيليك أو الكنيسة الكبرى التي تطل واجهتها على الشارع المحوري وسط المدينة، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس الميلادي، وتقع في الجهة الجنوبية من السويداء القديمة، وتعتبر أنموذجاً معمارياً جميلاً امتزج فيه نمط البازيليك الروماني مع مباني حوران المحلية.

والدير أو المجمع الكنسي الذي كان متصلاً بالكنيسة الكبرى، كان مكرساً للقديس يوحنا ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع الميلادي، أما الكنيسة الصغرى وسط المدينة القديمة إلى الشمال من الكنيسة الكبرى، فيعود تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي.
ومن معالمها أيضاً سور المدينة وقلعتها وقصر الحاكم وعناصر سكنية كنعانية وآرامية تم الكشف عنها ضمن الحي الشمالي الغربي من المدينة القديمة.

وتشتهر السويداء بمعبدها النبطي وبركة الحج ضمن الحي الشرقي الذي يعود إلى العصر الهلنستي وقبل الروماني، والمسرح الكبير والمسرح الصغير «الأدويون» الذي يعود للفترة الرومانية ويعد أحد طرز العمارة النادرة من خلال وجود الأحرف المنحوتة على كل مقعد من مقاعده.

كما ترى في المدينة معبد آلهة المياه، وقوس النصر الذي يشكل أحد المعالم الأثرية المهمة لمدينة السويداء ويعود إلى العصر النبطي في الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، ويقود إليه شارع مستقيم يمتد من البوابة الغربية الأثرية للمدينة والواقعة إلى الغرب من دوار قصر النجمة باتجاه الشرق.

تتألف المدينة القديمة، من ثلاثة أحياء تم إنشاؤها خلال عصور مختلفة، وتقع في الجهة الشمالية الغربية الأولى سؤادا يعود تاريخ بنائها إلى عصور البرونز والحديد، ثم العصور الكنعانية والآرامية.

وفي الجهة الشرقية حي يعود إلى عصر ما قبل الرومان من نهاية العصر الهلنستي، أما في الجهة الجنوبية فالحي يعود للعصر البيزنطي بدءاً من القرن الثاني الميلادي وحتى القرن السادس الميلادي.

وعلى الرغم من كل هذا الإرث التاريخي الموغل في القدم، فإن استثمار هذه الأوابد لم يجر كما يجب، والسياحة في المدينة والمحافظة عموما، لاحقت مصيراً أشبه بالطريقة التي عوملت بها محافظة إدلب ومدنها المنسية،

وما يؤكد هذا الإهمال عدم وجودها بقوة على خرائط برامج المجموعات السياحية التي كانت تؤم البلاد حتى قبل سنوات الحرب الأخيرة أي ما قبل عام 2011، وهو ما ظهر جليا في تراجع عدد الفنادق السياحية، فإضافة إلى الفندق الذي يمتلكه مجلس المدينة تجد بعض الفنادق الصغيرة الخاصة، مثل ديونيزياس وكلاسيكال والعامر والربيع وعنوانك.

السياحة ميتة

في تصريحه لـ«القدس العربي» أكد عضو المكتب التنفيذي في السويداء يامن معروف أن السياحة في مدينة السويداء خلال هذه الفترة تعيش في حالة متأزمة، والنشاط في هذا القطاع متوقف تماماً ويمكن أن نصفه بالميت، ولا أعتقد أن هناك سياحا سواء محليين أو قادمين من خارج المحافظة، يزورون المناطق الأثرية والأوابد التاريخية داخل المدينة.

أما مطاعم المدينة فتكتفي حالياً بتقديم وجبات الطعام من دون أي عروض إضافية أخرى، موسيقية كانت أم غنائية، باعتبار أن الظروف الاقتصادية لسكان المحافظة خلال الأشهر الستة الأخيرة صعبة للغاية.

وتابع: لم تكن مدينة السويداء تعيش قبل الأزمة، تلك الحالة المثالية فيما يتعلق بالحياة السياحية والثقافية، ولكن اليوم وبسبب عدم وجود نوع من الاستقرار الأمني فإن قطاع السياحة بشقيه الآثاري والثقافي تأثر كثيراً، لأن أولوية المواطنين الحفاظ على أمنهم وحياتهم واستقرارهم قبل أي شيء آخر،

وعلى الرغم من وجود حركة قوية للمجتمع المدني في السويداء، إلا أن نشاط المثقفين والفنانين ممن كانوا يحيون الأمسيات الثقافية والمسرحيات والمحاضرات والندوات، تأثر كثيراً نتيجة الشحن الطائفي والتوتر الأمني وابتعد المجتمع عن مثل هذه النشاطات.

الأمل بالمغتربين

عبّر معروف عن تفاؤله بأن إعادة إحياء قطاع السياحة إنما مبني على أبناء المحافظة في المغتربات من أصحاب رؤوس الأموال القادرين على الاستثمار، لكنهم وإلى اليوم لم يصلوا، والأمر مرده إلى حالة الفوضى وعدم الاستقرار، وهؤلاء إذا ما هدأت الأوضاع، فإنهم قادرون على إحياء السياحة ودفعها إلى الازدهار،

ويكفي أن نذكر بأن أحد المستثمرين الجادين تعرض مشروعه للتعطيل من النظام السابق منذ سبع سنوات، وكان يعمل على نصب تلفريك داخل المدينة، وبعد أن بدأ بتنفيذ قواعد المنشآت التي كان سيستخدمها في مشروعه، ترك وغادر بعد تعرضه لضغوط من سلطات النظام السابق.

وبين معروف أن الحالة لم تتغير كثيراً بعد إسقاط النظام ولاستمرار الأسباب الأمنية السابقة ذاتها، إضافة إلى أسباب موضوعية أخرى، وقال: معلوماتنا تتحدث عن وجود أعداد كبيرة من شبابنا المغتربين أبدوا استعدادهم للمباشرة بمثل هذه الاستثمارات، لكن البيئة القانونية التي كانت وما زالت تحكم البلاد، إضافة إلى العقوبات الأمريكية والغربية التي أعلن أخيرها عن رفعها لكنها لم تصبح نافذة بعد على أرض الواقع، هي التي تحول دون صول المستثمرين إلينا.

وذكر معروف أن النظام السابق كان يضع يده على مواقع سياحية بارزة وفي المقدمة منها منزل الفنانة السورية الراحلة اسمهان الأطرش، الذي كان قد استولى عليه وحوله إلى مقر لإقامة المحافظ، مناشداً وزارة السياحة في الحكومة الجديدة أن تعيد الألق لهذا المنزل الذي لطالما كان مقصداً للزوار من داخل وخارج المحافظة.

مزايا خاصة

معروف بين أن الطبيعة الجغرافية من جهة والاجتماعية لأهالي مدينة السويداء وعموم سكان المحافظة من جهة أخرى، يساهم في توفير مزايا خاصة للسياحة هنا، وتراجع المخاوف الأمنية سيدفع إلى نمو سياحة الاصطياف واستقبال السائحين من محافظات أخرى للطقس الصيفي المعدل ولانتشار المناظر الطبيعية ومزارع أشجار الفواكه.

وتابع: حتى أن الظروف الحالية، دفعت بالكثير من عائلات المحافظة للتوجه إلى الاصطياف في المطاعم والمتنزهات المرفقة بالمسابح العامة، أو باستئجار المنازل المفروشة المزودة بالمسابح، وذلك للتعويض عن فقدانها لإمكانية التوجه إلى مدن الساحل السوري والاصطياف على شواطئ المتوسط.

ولم ينسَ معروف التذكير بمدى تضرر قطاع السياحة بالوضع الكهربائي السيء، كباقي المحافظات السورية عموماً، وقال إن التقنين الكهربائي الجائر المتواصل منذ ما قبل سقوط النظام السابق، دفع بالكثير من أصحاب المطاعم وأماكن السهر الليلية، إلى إغلاق أبواب منشآتهم، ليس فقط لانقطاع التيار الكهربائي وإنما للارتفاع الكبير في أسعار المحروقات المطلوبة لتشغيل مولدات الكهرباء،

الأمر الذي ألغى الجدوى الاقتصادية من افتتاح المطاعم، والشعبية منها خصوصاً، ليلاً، لعدم إمكانية تحميل المواطنين المنهكين اقتصادياً مزيداً من النفقات، وحتى أن هؤلاء آثروا قضاء أمسياتهم في منازلهم.

وبين معروف أن التعمد في استهداف كوابل وأبراج التوتر العالي الناقلة للكهرباء إلى المحافظة من ريفي دمشق ودرعا لمرات عديدة كان يدخل المحافظة في تعتيم كامل إلى حين إصلاح هذه الأعطال، وهذه الحالة ما زالت مستمرة حتى بعد إسقاط النظام على خلفية الشحن الطائفي وانتشار لصوص خطوط الكهرباء من جهة ثانية.

السياحة الدينية

الحديث عن السياحة في السويداء يقود للتطرق إلى ما يعرف اصطلاحا بالسياحة الدينية أو زيارة المقامات والأماكن المقدسة، وخصوصاً أن المدينة تحوي مقامات هامة لطائفة الموحدين الدروز. وبين معروف أن أبرز المواقع الدينية التي تجذب مشايخ وأبناء الطائفة من عموم بلاد الشام، بما فيها فلسطين المحتلة، هما مقام النبي شعيب، ومقام عين الزمان الخيري، والمعروف رسيماً بدار الطائفة لمشيخة عقل الموحدين الدروز.

وقال معروف: يعتبر المقامان مقصدا للدروز القادمين من لبنان أو من قرى جبل الشيخ وحتى من داخل الأراضي المحتلة في الجولان وفي فلسطين، مشيراً إلى أن هذا النوع من السياحة الدينية انقطعت في السنوات الأخيرة، لكن من المتوقع أن يتم استعادة النشاط فيها، وهي كانت عادة تستقبل زوارا بالآلاف في مواسم الزيارة، ومن الجنسين، كما أنها تستقبل يومياً أبناء الطائفة في السويداء، وبشكل مجاني، لكن بعض المرافق الخدمية القريبة من هذه المقامات كالمطاعم الخاصة، تستفيد من هذه الحركة الكثيفة.

مسرح ساحة الكرامة

وإلى يوم سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وعلى امتداد عامين كاملين تقريباً، تحولت الساحة الرئيسة في مدينة السويداء إلى ما يشبه مسرحاً سياسياً بعرض يومي متواصل،

وقال معروف إن حراك الثورة الذي بدأ منذ عام 2023 في ساحة الكرامة واستمر حتى سقوط النظام، تحول إلى عامل جذب يومي ليس فقط لسكان المدينة، وإنما لريفها الذي كان يشارك بفاعلية أكثر في أيام الجمع، عدا عن زوار كانوا يصلون السويداء من مدن وبلدات سورية أخرى للمشاركة في وقفات وتظاهرات سلمية كانت قد اختفت منذ فترات طويلة من المدن السورية الأخرى الواقعة تحت سيطرة جيش الأسد حينها.

وذكر معروف أن محافظة السويداء وخلال سنوات الثورة كانت قد استضافت ما يصل إلى نحو 225 ألفاً من السوريين الهاربين من بطش النظام، وكان عدد كبير من بين هؤلاء يشاركون يومياً في حراك ساحة الكرامة حتى بات هذا النشاط يمثل صوت الثورة لعموم السوريين في وقت اعتقد فيه العالم كله أن صوت المعارضة والثورة قد انطفأ وخبى مع انتهاء المعارك عام 2018.

وختم معروف بالقول إن النظام حاول التعتيم على ساحة الكرامة سياسيا وإعلامياً، لكن هذا الحصار كسره شبابنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتغطياتهم للنشاط، وكذلك فإن روح الثورة التي ما زالت متقدة في قلوب رجالتها، سوف تنير الطريق نحو الدولة السورية الجديدة القادرة على استيعاب كل أبنائها في حياة كريمة.

القدس العربي

  • Related Posts

    الأسعار.. هل تبقى مستقرة بعد زيادة الأجور؟
    • يونيو 28, 2025

    في خطوة وُصفت بالمفصلية، جاء قرار  رفع الرواتب بنسبة 200 للعاملين والمتقاعدين في الدولة ليترك انطباعات مشجعة ما أثار موجة تفاعل واسعة في الأوساط الاقتصادية والشعبية. وبينما رحّب كثيرون بهذه…

    Continue reading
    حلب: سوق المشارقة للخضار مهجور.. والبسطات تعود إلى العشوائية!
    • يونيو 28, 2025

    في الوقت الذي عادت فيه البسطات والعربات الجوالة للانتشار في ساحة باب جنين والرازي والفيض، لاحظنا خلال جولة ميدانية في سوق الخضار والفواكه بحي المشارقة أن البقعة المخصصة للسوق، المزودة…

    Continue reading

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    تكنولوجيا

    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة رقمية بأبعاد قانونية!

    • يونيو 26, 2025
    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة رقمية بأبعاد قانونية!

    تصنيف أهم أدوات الذكاء الاصطناعي المهددة لبياناتك!

    • يونيو 25, 2025
    تصنيف أهم أدوات الذكاء الاصطناعي المهددة لبياناتك!

    أفضل أجهزة الكمبيوتر المحمولة لعام 2025

    • يونيو 25, 2025
    أفضل أجهزة الكمبيوتر المحمولة لعام 2025

    الجيش الصيني يطور مُسيرة بحجم بعوضة!

    • يونيو 24, 2025
    الجيش الصيني يطور مُسيرة بحجم بعوضة!

    الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهمات وتوفير الوقت

    • يونيو 24, 2025
    الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهمات وتوفير الوقت

    أحدث وسيلة للغش بواسطة الذكاء الاصطناعي!

    • يونيو 21, 2025
    أحدث وسيلة للغش بواسطة الذكاء الاصطناعي!

    تسريب 16 مليار بيانات دخول في أكبر خرق أمني بالتاريخ

    • يونيو 20, 2025
    تسريب 16 مليار بيانات دخول في أكبر خرق أمني بالتاريخ

    هل فقاعة الذكاء الاصطناعي على وشك الانفجار؟

    • يونيو 20, 2025
    هل فقاعة الذكاء الاصطناعي على وشك الانفجار؟

    الاعتماد على الـ AI يُضعف التفكير البشري!

    • يونيو 19, 2025
    الاعتماد على الـ AI يُضعف التفكير البشري!

    ترامب يرجّح تمديد مهلة بيع «تيك توك»

    • يونيو 18, 2025
    ترامب يرجّح تمديد مهلة بيع «تيك توك»