
حين يلتقي النحاس بالفضة يولد فن يدوّي يضيء البيوت بلمسة شرقية أصيلة، ويمنح الأشياء روحاً جديدة.
هذا ما يُسمى بفن “التكفيت”، تطعيم النحاس بالفضة، ورثه الدمشقيون عن أجدادهم وجعلوه جزءاً من هويتهم.
ولايزال شيخ الكار الدمشقي يوسف الحامض يواصل الحفاظ عليه رغم الصعوبات، ليبقى شاهداً على الإبداع والهوية.
ضمن ورشته في دمشق القديمة التقته صحيفة “الثورة السورية” ليحكي عن خصوصية مهنته، يقول: “ورثت فن التكفيت عن جدّي، وعلّمني أسراره في سوق النحاس بدمشق، ثم طوّرت العمل وأضفت إليه لمسات خاصة.
وبداية العمل تكون دائماً من إنجاز التصميم، سواء كان (صينيّة أو فازاً أو إبريقاً أو منقلاً)، وبعدها نرسم الزخرفة المطلوبة، وهي كثيرة ومتنوّعة، منها العثماني والأندلسي والأيوبي والمملوكي والدمشقي، ولكل حضارة طابعها الخاص”.
ويشير إلى أن الخط العربي جزء أساسي من الحرفة، يتم استخدام سبعة أنواع منه، هي “الفارسي، الكوفي، الثلث، النسخ، الرقعة، والديواني”،
ولكن الأكثر طلباً خط “الثلث والمملوكي”، حيث تُزيّن القطع بآيات قرآنية ورسومات للجوامع والمآذن، إلى جانب الزخارف النباتية والزهور والطيور، لتصبح القطعة لوحة تجمع بين الفن والروح.
ويصف مراحل العمل قائلاً: “بعد الرسم تبدأ عملية الحفر على النحاس لتشكيل الأرضية، ثم نفتح مجاري دقيقة نُدخل فيها شريط الفضة ونطرق بعناية حتى يندمج مع المعدن،
وتأتي بعدها مرحلة الدمج، وتتحول الخطوط الفضية إلى كتلة واحدة متماسكة، ثم التلميع ليظهر البريق النهائي.
وتحتاج القطع وقتاً طويلاً لإنجازها، من عشرين يوماً إلى ثلاثة أشهر، حسب حجمها وتعقيد زخارفها”.
ويؤكد الحامض أنّ العمل اليدوي البطيء والمكلف يجعل التسويق محدوداً، فمعظم القطع تُباع خارج سوريا بنسبة كبيرة نظراً لقيمتها العالية، بينما يقل الطلب في الداخل بسبب ارتفاع الأسعار.
ورغم ذلك، سيبقى هذا الفن حاضراً ما دام هناك من يطرق النحاس ليمنحه حياة جديدة، واختتم حديثه قائلاً: “الحرفة التراثية تحتاج إلى حب عميق وصبر طويل، ولا يمكن أن تُتقن إلا بالعشق للمعدن والقدرة على التعامل معه بوعي هندسي وفني،
فالكثير من المتدرّبين عملوا معي لسنوات عدة قبل أن يفتحوا ورشاتهم الخاصة، من أجل أن تستمر الحرفة الدمشقية كشاهد على الإبداع التراثي وللحفاظ على الهوية”.
الثورة السورية- همسة زغيب











