
أثار الإعلان الرسمي عن إغلاق مخيم الركبان، أحد أكثر المواقع الإنسانية قسوة في تاريخ الحرب السورية، موجة تفاعل واسعة على المستويين الرسمي والشعبي، باعتباره لحظة مفصلية تُطوى فيها صفحة مأساوية عاشتها آلاف العائلات في عمق الصحراء على الحدود السورية – الأردنية، منذ أكثر من عشر سنوات، بعد أن استخدم نظام بشار الأسد، سياسة التهجير كسلاح لكسر الإرادة.
في أول تعليق رسمي، وصف وزير الإعلام الدكتور “حمزة المصطفى”، تفكيك المخيم وعودة النازحين بأنه “نهاية فصل حزين من النزوح السوري”، مشيراً إلى أن الركبان لم يكن مجرد تجمع عشوائي، بل “مثلث الموت” الذي جسّد قسوة الحصار والتجويع في قلب الصحراء، نتيجة جرائم النظام السابق. وأضاف: “من بين رمال الألم يتسلل الأمل… وعودة النازحين اليوم بداية حقيقية لتفكيك باقي المخيمات”.
بدوره، قال وزير الطوارئ والكوارث، الأستاذ رائد الصالح، إن ما حدث في الركبان “يمثل نهاية واحدة من أقسى المآسي الإنسانية”، متطلعاً إلى أن تكون هذه الخطوة بداية لخطة شاملة تنهي معاناة بقية المخيمات، وتعيد سكانها إلى ديارهم بكرامة وأمان.
وكتب الناشط خالد الحمصي، الذي وثق سنوات النزوح في الركبان، تحت عنوان “ذاكرة الصحراء”، عن تجربته الشخصية قائلاً: “كنت شاهداً على وجوه خُط عليها القهر، وعلى أمهات يودّعن أطفالهن في صمت موجوع… اليوم تُطوى هذه الذاكرة في مهب الريح، لكن الألم باقٍ في القلوب”.
الصحفي قتيبة ياسين وصف الإغلاق بأنه نهاية “أسوأ المخيمات”، وقال: “سنوات من الحصار في أرض قاحلة، وعواصف هدمت الخيام، وأكواخ طينية كانت الملاذ الأخير… اليوم انتهى كل ذلك، وكتب الله لهم الخلاص”.
أما الناشط ماجد عبد النور فعبّر عن اللحظة قائلاً: “انتهى أحد رموز القهر… عادت العائلات مكرّمة إلى بيوتها، وتبقى الذاكرة حية”، وفي السياق نفسه، دوّن الناشط أنس أبو عدنان أن الركبان “قصة صمود طُويت”، فيما قال مدير فريق ملهم التطوعي، عاطف نعنوع: “المكان الذي لم نرد يوماً أن نصدق وجوده… مخيم الركبان يزول بزوال الأسد”.
ووصف الدكتور أحمد علي عمر المخيم بأنه “رمز لحقبة الأسديين”، وقال إن طي صفحة الركبان مع أول أيام العيد وعودة آخر عشرة آلاف نازح إلى ديارهم هو بحد ذاته إنجاز يكفي لوحده. وأضاف: “كابوس الجوع والأمراض انتهى، وسيعرف العالم لاحقاً عِظم ما تحقق”.
وكانت “المنظمة السورية للطوارئ” (SETF) قد أعلنت بالتعاون مع “منظمة الإغاثة الإسلامية في الولايات المتحدة” (IRUSA) عن إغلاق المخيم رسمياً بعد إعادة آخر العائلات العالقة إلى مناطقهم الأصلية، مثل مهين وتدمر والقريتين ودير الزور، خلال حملة إنسانية نفذت خلال 11 يوماً رافقت عملية الإغلاق مبادرات أهلية من مناطق مثل تدمر وريف حمص، شملت تبرعات، قوافل عودة، وتنظيم “قافلة المحبة”، التي أمنت عودة عدة عائلات، في وقت كانت فيه البنى التحتية تُعاد تأهيلها استعداداً لاستقبال العائدين، في مشهد جمع بين العمل المدني والرؤية الحكومية.
يُمثل إغلاق الركبان نهاية مرحلة مريرية وسوداء في عمق الحالة السورية، وبداية أمل وانتشار الإدارة السورية على الجلاد، بعودة السوريين المهجرين في الداخل والخارج إلى أرضهم التي اقتلعوا منها عنوة تحت أزيز القصف والموت اليومي، وستبقى الصحراء التي احتضنت المعاناة ستبقى شاهداً على صمود شعب قرر الحياة رغم الحصار والجوع والنسيان، وأن الكرامة لا يمكن أن تُدفن تحت رمال الركبان.
صحيفة الثورة