تكنولوجيا

هل تجاوز العالم ذروة استخدام منصات التواصل الاجتماعي؟

خلال السنوات القادمة قد ننظر إلى سبتمبر 2025 على أنه اللحظة التي تراجعت فيها منصات التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، وبدأت التحول من منصة للمشاهدة إلى بقعة راكدة على الإنترنت يسكنها من لا يملكون ما هو أفضل لفعله.

لقد أعلنت كل من ميتا وأوبن إيه آي أخيراً عن منصات تواصل اجتماعي جديدة ستمتلئ بمقاطع فيديو قصيرة مولدة بالذكاء الاصطناعي.

وهذا يفترض وجود مخزون هائل من الطلب غير المستغل على القدرة على إنشاء المزيد من المحتوى ومشاهدته بشراهة، مع فيديو ترويجي من أوبن إيه آي يعرض رسوماً متحركة خيالية حتى ولو كانت سخيفة ومقاطع فيديو مزيفة، ملمحاً إلى ما قد يأتي لاحقاً.

وللمقارنة الغذائية فهذا محتوى من المواد فائقة المعالجة الغنية بالدوبامين، وذات القيمة المعلوماتية الضئيلة، والسلبية المدمرة في أسوأ الأحوال، لكن للأسف هناك إقبال كبير على هذا «المحتوى المُهدر».

إنه يغذي غرائز النوعيات البدائية، كما يتضح من صناعة بمليارات الدولارات لبيع الإعلانات مقابل مقاطع فيديو لمشاهد وأصوات غريبة ومهدئة، وأشخاص يقومون بأشياء شنيعة.

وكان واضحاً هذا الاندماج التدريجي للمتعة الغريبة على الإنترنت مع منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية – كجزء من تدهور مستمر لسنوات.

ولذلك فقد مرت معلومة مهمة دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير وهي أن الوقت الذي يقضيه الناس على وسائل التواصل الاجتماعي بلغ ذروته في عام 2022، ثم انخفض بشكل مطرد منذ ذلك الحين، وفقاً لتحليل للعادات عبر الإنترنت لـ250 ألف بالغ في أكثر من 50 دولة أجرته شركة «جي دبليو آي» لرؤى الجمهور الرقمي لصالح صحيفة فاينانشيال تايمز.

وفي جميع أنحاء العالم المتقدم، قضى البالغون الذين تبلغ أعمارهم 16 عاماً فأكثر ما معدله ساعتين و20 دقيقة يومياً على منصات التواصل الاجتماعي في نهاية عام 2024، بانخفاض نسبته تقارب 10 % منذ عام 2022.

ومن المهم ملاحظة أن هذا الانخفاض كان أكثر وضوحاً بين أكثر الفئات استخداماً في السابق، وهم المراهقون والشباب في العشرينات من العمر.

من نواحٍ عدة تُعد منصات ميتا و«أوبن أيه آي» الجديدة نقطة نهاية مناسبة للتطور المشوه لوسائل التواصل الاجتماعي من مكان يتبادل فيه الناس آخر الأخبار مع الأصدقاء والعائلة، إلى مكان يتضاءل فيه التفاعل البشري.

ولذلك، شهدنا تحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسائل معادية للمجتمع مع الاختفاء التدريجي لمعظم الناس من المشاركة النشطة على المنصات والاستبدال المستمر للتفاعلات في العالم الحقيقي بالتمرير.

وفي بيانات إضافية من شركة «جي دبليو آي» لتتبع هذا التحول «انخفضت نسبة الأشخاص الذين أفادوا باستخدامهم منصات التواصل الاجتماعي للبقاء على اتصال مع أصدقائهم، أو التعبير عن أنفسهم.

أو التعرف على أشخاص جدد، بأكثر من الربع منذ عام 2014، في الوقت نفسه، ارتفع معدل فتح التطبيقات تلقائياً لملء أوقات الفراغ، ما يعكس تحولاً ضاراً أوسع نطاقاً من التصفح الواعي إلى التصفح غير الواعي.

وبتعبير الكاتب المتخصص في التكنولوجيا كوري دكتورو، تُعد منصات التواصل الاجتماعي في مراحلها الأخيرة مثالاً صارخاً على «التحول الكبير» للمنصات الرقمية .

حيث باتت تلجأ إلى كل الأساليب اليائسة لمجرد جذب الانتباه، ولم يعد العديد من هذه التطبيقات تطبيقات اجتماعية بالمعنى الحرفي للكلمة؛ بل أصبحت تطبيقات تحاول «استغلال» الوقت أمام الشاشة باي طريقة كانت، مستخدمة أي وسيلة ممكنة لكسب ثوانٍ ودقائق إضافية.

وقد يكون من دواعي السرور البالغ اكتشاف أننا لم نصل إلى نقطة تشبع منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل إن التجربة تدهورت إلى درجة أنها صدمت الناس لإفاقتهم من غفلتهم ودفعتهم إلى استخدام وقتهم بشكل صحي أكثر.

وهذا يقودنا إلى النقطة الجوهرية، فهناك استثناء ملحوظ واحد لهذا التوجه الدولي الواعد.. أمريكا الشمالية، حيث يستمر استهلاك الخطاب المتطرف، وإغراءات التفاعل، والمحتوى غير اللائق على وسائل التواصل الاجتماعي في الارتفاع، وبحلول عام 2024، وصل إلى مستويات أعلى بنسبة 15 % من أوروبا.

وينظر إلى القطع بأن وسائل التواصل الاجتماعي تُسبب الكثير من الضرر نقطة لجدل كبير، لكن هذه النقاشات غالباً ما تفشل في تفسير كيف تحولت هذه المنصات جذرياً من أماكن للتواصل إلى بقعة للعزلة والتشتت.

ومن أقوى حجج الضرر أن الوقت الذي يُقضى على هذه المنصات هو وقت بعيد عن التفاعلات المثمرة مع الآخرين.

إذا كان هذا الاتجاه في طور الانعكاس، فلن يكون الأمر سيئاً بالتأكيد، وإذا انتشر ذلك ووصل في النهاية إلى أمريكا، فسيكون ذلك أفضل بالتأكيد.

فايننشال تايمز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى