
لم تكن بطولة كأس العالم للأندية 2025 مجرد تجربة كروية موسعة فحسب، بل كانت بمثابة اختبار مكشوف لطموحات الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» فيما يخص مستقبل اللعبة عالمياً.
ومع اختتام دور المجموعات في هذه النسخة التي تُقام لأول مرة بنظام الـ32 فريقاً في الولايات المتحدة، بدا واضحاً أن الطريق إلى النجاح محفوف بالتحديات، وأن البطولة، رغم بريقها الفني والنجومي، لم تنجُ من الملاحظات التنظيمية والهواجس المناخية والجدل حول سلامة اللاعبين.
انطلقت البطولة وسط درجات حرارة «لاهبة»، وأجندات مزدحمة، وتحذيرات من الإرهاق البدني، خصوصاً للاعبين القادمين من الأندية الأوروبية التي خاضت مواسم طويلة ومرهقة.
ريال مدريد على سبيل المثال، وصل إلى البطولة بعد خوضه 65 مباراة في الموسم، يليه إنتر ميلان بـ62 مباراة، ثم باريس سان جيرمان بـ61، في حين قطع تشيلسي ومانشستر سيتي شوطاً قريباً بـ60 مباراة لكل منهما.
وبما أن البطولة تمتد حتى منتصف يوليو (تموز)، فإن الفريق الذي يصل إلى النهائي قد يجد نفسه مجبراً على خوض 4 مباريات إضافية في درجات حرارة تجاوزت في بعض المدن 36 درجة مئوية، كما حدث في لقاء بايرن ميونيخ وبنفيكا في شارلوت.
مدرب تشيلسي، إنزو ماريسكا، وصف الوضع المناخي هناك بـ«المستحيل»، في حين فُرضت فترات استراحة للتبريد في المباريات، وجرى تصوير اللاعبين وهم يسكبون الماء على رؤوسهم، أو يلفون المناشف المثلجة حول أعناقهم، في مشاهد أقرب إلى معسكرات تدريب صيفية منه إلى مباريات نخبوية.
الأمر لم يتوقف عند ارتفاع درجات الحرارة، فالعواصف الرعدية والأمطار الغزيرة شكَّلت عنصراً آخر من المفاجآت غير المرغوب فيها، إذ تسببت صواعق البرق في تأجيل 5 مباريات، نتيجة قوانين أميركية تلزم بإيقاف اللعب فور رصد برق على بُعد 10 أميال من الملعب.
هذه التأجيلات فتحت الباب أمام التساؤلات حول مدى جهوزية الولايات المتحدة لاستضافة كأس العالم 2026، خصوصاً أن البطولة المقبلة ستُقام في توقيت صيفي مشابه، وتحت ظروف مناخية مماثلة في مدن تمتد من ميامي إلى لوس أنجليس.
الحضور الجماهيري رسم بدوره صورة مزدوجة للبطولة، ففي حين شهدت بعض المواجهات إقبالاً لافتاً كما حدث في لقاء باريس سان جيرمان وأتلتيكو مدريد على ملعب «روز بول» بكاليفورنيا، الذي امتلأ بأكثر من 80 ألف مشجع، إلا أن مباريات أخرى بدت كأنها تُقام في ملاعب مغلقة.
لقاء تشيلسي ولوس أنجليس إف سي، على سبيل المثال، ظهر على الشاشات بنصف مقاعد شاغرة، ما أثار انتقادات إعلامية حول ضعف الترويج للبطولة. قائمة المباريات العشر الأعلى حضوراً أكدت حضوراً لافتاً في مواجهات ريال مدريد، باريس سان جيرمان، وبايرن ميونيخ، في حين لم يتجاوز الحضور في لقاء ماميلودي صنداونز وأولسان 3412 مشجعاً فقط، رغم أن سعة الملعب 25 ألفاً.
الملاعب نفسها لم تكن بمنأى عن الانتقاد. لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، لم يُخفِ امتعاضه من أرضية الملعب، قائلاً بسخرية إن الكرة كانت تقفز كالأرنب.
في حين وصف جود بيلينغهام، نجم ريال مدريد، الملاعب بأنها «سيئة للغاية»، مشيراً إلى أن الكرة لا ترتد كما ينبغي، وهو ما يُجهد المفاصل والركب، ويشكّل خطراً على سلامة اللاعبين. الانتقادات بلغت حد المطالبة بإعادة النظر في تجهيز الملاعب، قبل التفكير في استضافة كأس العالم المقبل.
ورغم كل هذه التحفظات، بدت المنافسة داخل المستطيل الأخضر في قمة الجدية. الدافع الأساسي؟ جائزة مالية ضخمة يبلغ مجموعها 775 مليون جنيه إسترليني، يتوَّج الفائز منها بـ30 مليون جنيه.
حتى مباريات المجموعات كان لها مردود مالي مهم، إذ يحصل الفريق الفائز على 1.5 مليون جنيه إسترليني، في حين يمنح التعادل 800 ألف. بلوغ دور الـ16 يساوي 5.8 مليون، والصعود لربع النهائي 10.1 مليون، والنصف النهائي 16.2 مليون، في حين يحصل الوصيف على 23.2 مليون.
أرقام تفسر الحماس الشديد الذي ظهر به مانشستر سيتي، والذي حقق 3 انتصارات متتالية، وسجّل 13 هدفاً، منها سداسية في مرمى العين الإماراتي، وخماسية ضد يوفنتوس الإيطالي.
أما على صعيد التوازن القاري، فقد جاءت النتائج لتكسر هيمنة أوروبا بعض الشيء. خرجت فرق بورتو، وأتلتيكو مدريد، وسالزبورغ من دور المجموعات، في حين تأهلت الأندية البرازيلية الأربعة عن قارة أميركا الجنوبية، وودّع ريفر بليت وبوكا جونيورز المنافسة.
الهلال السعودي نجح في بلوغ الأدوار الإقصائية ممثلاً وحيداً عن آسيا، في حين بقي إنتر ميامي ومونتيري من قارة أميركا الشمالية. أفريقيا خرجت مبكراً، شأنها شأن أوكلاند سيتي من أوقيانوسيا، رغم أن الأخير حقق تعادلاً مفاجئاً مع بوكا جونيورز بنتيجة 1-1.
وتزداد الإثارة مع انطلاق دور الـ16؛ حيث تُلعب المباريات على مدى 4 أيام، بداية من 28 يونيو (حزيران) بلقاء بالميراس وبوتافوغو، ثم مواجهة بنفيكا وتشيلسي، يليها صدام منتظر بين باريس سان جيرمان وإنتر ميامي، ولقاء قمة بين فلامنغو وبايرن ميونيخ.
الهلال سيُواجه مانشستر سيتي في الأول من يوليو، في حين يلتقي ريال مدريد مع يوفنتوس، وتُختتم الجولة بلقاء بوروسيا دورتموند ومونتيري.
الأدوار التالية تستكمل في 4 و5 يوليو (ربع النهائي)، ثم 8 و9 يوليو (نصف النهائي)، على أن يكون الموعد مع النهائي الكبير في 13 يوليو.
أما على مستوى سباق الحذاء الذهبي، فقد تصدّر المشهد 5 لاعبين برصيد 3 أهداف لكل منهم، بينهم جمال موسيالا، ومايكل أوليس من بايرن ميونيخ، وأنخل دي ماريا من بنفيكا، وكينان يلدز من يوفنتوس، إضافة إلى وسام أبو علي من الأهلي الذي سجّل هاتريك أمام بورتو.
إلا أن خروج فريقه من البطولة أخرجه مبكراً من السباق، ما يترك الباب مفتوحاً أمام الآخرين لمواصلة الصراع على اللقب الفردي الأغلى في البطولة.
وهكذا، تتأرجح هذه النسخة من كأس العالم للأندية بين الحماسة الفنية والملاحظات التنظيمية، بين الطقس القاسي والدراما الجماهيرية، وبين طموح «فيفا» لتجريب نموذج كأس العالم 2026 على أرض الواقع، وتحفظات متزايدة من المدربين واللاعبين بشأن الاستعدادات.
إنها بطولة تمنح لمحة واقعية لما يمكن أن تكون عليه كرة القدم في أميركا الشمالية حين تنطلق النسخة المقبلة من المونديال بعد عام واحد فقط.
الشرق الأوسط- مهند علي