
تشهد مختلف المناطق السورية خلال الأسبوعين الأخيرين موجة مرضية متصاعدة تتسم بانتشار واسع لأعراض السعال وارتفاع الحرارة والرشح، إلى جانب حالات إرهاق عام وضعف في النشاط اليومي،
وهي أعراض تشبه في معظمها العدوى التنفسية الموسمية التي تظهر عادة مع تغيّر الطقس وتقلب درجات الحرارة.
ورغم اتساع رقعة الإصابات، تؤكد الكوادر الطبية أن الوضع لا يدعو للقلق ما دام الالتزام بالإرشادات الصحية الأساسية والعلاج المناسب قائماً.
تشخيص الحالة المرضية وانتشارها
ما يميّز الموجة الحالية هو سرعتها في الانتشار بين مختلف الفئات، ولا سيما الأطفال وطلاب المدارس وكبار السن.
وفي تصريح لصحيفة “الثورة السورية”، أشار المدرّس مصطفى أبو محمد من الريف الشرقي لحلب إلى أن المدارس تشهد موجة رشح واسعة تسببت بغياب عدد من الطلاب عن الدوام.
كما أفاد الممرض أحمد جمعة من مركز طبي في منطقة التيفور بريف حمص بأن الحالات تزايدت بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة، لافتاً إلى أن المركز يستقبل أعداداً متزايدة من المراجعين الذين يعانون من حرارة وسعال واحتقان ورشح شديد.
وفي مدينة حمص، أكد زاهر الفارس أن المستشفى الذي يعمل فيه استقبل حالات تحمل أعراضاً متقاربة، ما يرجّح انتشار عدوى واحدة أو أكثر من الفيروسات الموسمية الشائعة.
شرح الحالة من وجهة نظر طبية
قدّم الطبيب دهوم الأمين، العامل في أحد مراكز الهلال الأحمر السوري، شرحاً طبياً لصحيفة “الثورة السورية” حول طبيعة الموجة الحالية، موضحاً أن الانتشار يتزايد بشكل ملحوظ، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن.
وبيّن أن أبرز الأعراض تشمل السعال المستمر، وارتفاع الحرارة، والحمّى، والإرهاق الشديد، وضعفاً عاماً في الجسم، إضافة إلى الرشح وسيلان الأنف المتواصل.
وأوضح أن الطابع المرضي يشير إلى عدوى تنفسية مرتبطة غالباً بفيروسات موسمية مثل الإنفلونزا ونزلات البرد وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي المنتشرة في هذا الوقت من العام.
وأضاف أن استمرار الأعراض أو شدّتها قد يؤدي إلى مضاعفات لدى كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة، ما يستوجب مراقبة الحالة واللجوء إلى التقييم الطبي عند الحاجة.
من جانبه، أشار الطبيب حمود السليمان، اختصاصي أطفال، إلى أن ما يجري هو موجة إنفلونزا قوية نسبياً هذا العام، لكنّها لاتزال ضمن الإطار الموسمي المعتاد، بينما وصف طبيب الداخلية عبد الله الحلواني الموجة بأنها رشح موسمي متكرر يظهر مع تغيّر الفصول ولا يستدعي الهلع أو التضخيم.
كما أكد الصيدلي نزار النعيمي أن العلاج المتوافر كافٍ للسيطرة على الأعراض، موضحاً أن المرضى يحتاجون عادة إلى خافضات الحرارة، وإلى استخدام المضادات الحيوية فقط في الحالات التي تستدعي ذلك طبياً.
أوضاع المرافق الصحية وزيادة المراجعات
تشهد المراكز الصحية في سوريا ضغوطاً متزايدة بالتزامن مع موجة الرشح والزكام الحالية، إذ تعاني العديد من المستشفيات من نقص واضح في التجهيزات والإمكانات.
وفي بعض المناطق المدمرة أو النائية، تغيب الخدمات الطبية بالكامل، ما يدفع الأهالي إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب نقطة إسعافية.
وفي مدينة منبج شرقي حلب، أوضح حسام العليوي، مسؤول مكتب مدير مستشفى منبج، لصحيفة “الثورة السورية” حجم الضغط قائلاً: “سجلنا ارتفاعاً بنسبة عشرة بالمئة في أعداد المراجعين خلال الأيام الأخيرة، ونواجه تحديات كبيرة بسبب نقص التجهيزات والكوادر، لكن العمل مستمر، ولا يوجد ما يدعو للقلق حتى الآن”.
وتشير مصادر طبية إلى أن غياب الخدمات في بعض القرى والمناطق المتضررة يضاعف العبء على المستشفيات العاملة، التي تجد نفسها مضطرة لاستيعاب أعداد تفوق قدرتها التشغيلية، رغم استمرار الجهود لتقديم الخدمة الأساسية للسكان.
التوصيات والإجراءات الوقائية
قدّمت الكوادر الطبية سلسلة من الإرشادات للحدّ من انتشار العدوى وتسريع الشفاء، وأكد الطبيب دهوم الأمين ضرورة الراحة وتجنب الإرهاق، والابتعاد قدر الإمكان عن المخالطة المباشرة، والالتزام بمسافة أمان في الأماكن المزدحمة، إضافة إلى الإكثار من السوائل الدافئة والماء لتعويض ما يفقده الجسم.
كما لفت إلى أهمية مراقبة الحرارة بشكل منتظم ومراجعة الطبيب عند استمرار الأعراض لأكثر من ثلاثة أيام أو عند ارتفاع الحرارة بشكل كبير.
وأشار الأطباء في تصريحاتهم لصحيفة “الثورة السورية” إلى أن التدخل المبكر يخفف بدرجة كبيرة من شدة الأعراض، مؤكدين أن تعزيز المناعة عبر النوم الجيد والتغذية المتوازنة وارتداء الملابس المناسبة للطقس المتقلّب يشكل عاملاً وقائياً مهماً.
تطمينات صحية
رغم الانتشار الواسع للأعراض في عدّة محافظات، تؤكد جميع المصادر الطبية أن الموجة الحالية تقع ضمن إطار الأمراض الموسمية الطبيعية التي ترافق عادة تقلبات درجات الحرارة بين الليل والنهار.
وتشير إفادات الممرضين والأطباء والعاملين في القطاع الصحي إلى أن الأعراض مزعجة لكنّها غير خطيرة في معظم الحالات، وتخف عادة خلال أيام قليلة مع الالتزام بالعلاج.
وقالت مديرية صحة حلب : إن “عدد الحالات المسجّلة هذا العام لفيروس الإنفلونزا مشابه أو أقل من الفترة نفسها العام الماضي، كما لم تُسجل أي حالة وفاة مرتبطة بالإنفلونزا حتى الآن، والتحاليل المخبرية تؤكد أن الأنماط الفيروسية هي نفسها المعروفة سنوياً، ولا توجد أي سلالات غريبة”.
وأضافت المديرية: “بعد مراجعة البيانات المخبرية والوبائية لعامي 2024 و2025، نؤكد لأهالي حلب أن الوضع طبيعي وموسمي، ولا توجد أي إشارات على تحوّر جديد أو انتشار غير معتاد للفيروس”.
وفي السياق نفسه، قال محافظ حلب عزام الغريب: “خلال الفترة الأخيرة لاحظنا بعض الإصابات بفيروس الإنفلونزا في حلب، وهو فيروس معروف ومتكرر سنوياً في سوريا، لكن بفضل تعاون الجميع واتباع الإجراءات الصحية نعمل على الحدّ من انتشاره بشكل كبير”.
ودعا المحافظ الأهالي إلى “الاطمئنان وأخذ الاحتياطات مثل غسل اليدين، وارتداء الكمامة عند اللزوم، وتجنب الأماكن المزدحمة، فهذه الإجراءات تساعد في الحفاظ على الصحة العامة”.
وتبقى الوقاية والراحة والمتابعة الصحية عند الضرورة الوسيلة الأهم لعبور هذه الموجة بسلام، ويجمع المختصون على أن الوعي الصحي والتزام السكان بالتوصيات قادران على الحدّ من الانتشار وتقليل الضغط على المرافق الطبية حتى انتهاء هذه الموجة الموسمية كما يحدث كلّ عام.
الثورة السورية – بلال بركات











