
لم تكن النجاة من بطش النظام البائد أصعب ما مرّ به الشباب السوري، بل كانت هناك معاناة أخرى تلاحقهم بعد كل فرصة نجاة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر برحلة الموت التي خاضها الآلاف في البحار والمحيطات بحثاً عن وجهة آمنة.
في عام 2015، وبعد أن احتدمت نيران الحرب في سوريا، هاجر مئات آلاف السوريين خارج البلاد، وكانت الفئة اليافعة هي الأكثر عرضة للتهجير واللجوء بسبب استهداف قوات النظام البائد لهم وملاحقتهم بهدف تجنيدهم والزجّ بهم في صفوف جيشه أثناء القتال.
أطفال سوريا ضحايا التعذيب والاعتقال
كان حسين خديجة من مدينة حلب طفلاً صغيراً يساعد والده على بسطة نقالة لبيع بعض الألبسة القطنية في مدينة سيف الدولة، وفي أحد الأيام صادرت ميليشيات النظام البضاعة التي يبيعها واعتقلته هو وبعض الأشخاص الآخرين، وكان حينئذ لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره،
فقام والده بجمع مبلغ قدره خمسة آلاف دولار مقابل الإفراج عنه، وحينما خرج حسين من السجن سارع والده على الفور لإرساله إلى خارج البلاد.
من لبنان إلى تركيا… هروب جديد إلى المجهول
وصل حسين إلى لبنان وبدأ العمل في شركة لتصنيع السفن والمعدات البحرية في بيروت، استمر هناك إلى أن ضاق الخناق على اللاجئين السوريين، فدفعه ذلك إلى مغادرة لبنان متجهاً إلى تركيا دون أي خطة مسبقة عنده.
المساجد قبلة اللاجئ السوري فور وصوله إلى تركيا
كان المسجد أول مأوى لحسين لدى وصوله إلى تركيا، مكث فيه أياماً لا يعرف أين يذهب ولا من أين يبدأ، شأنه شأن كثير من الشبان الذين هجّرهم النظام السوري،
وفي تلك الفترة، تصاعد الحديث بين اللاجئين السوريين عن المهاجرين المتوجهين عبر “قوارب الموت” إلى شواطئ أوروبا، فقرر حسين خوض التجربة رغم صغر سنه وعدم إدراكه لكامل المخاطر، وبعد رحلة بحرية شاقة، وصل إلى النرويج، رغم أنها لم تكن وجهته بالتحديد.
الوصول إلى برّ الأمان.. بوحشة المكان وغربة اللسان
وصل حسين إلى النرويج وحيداً لا يعرف أحداً وكان حينئذ يبلغ السابعة عشرة من عمره، نقلته الشرطة إلى أحد مخيمات اللجوء المخصّصة للقادمين الجدد، حيث عاش هناك شعوراً قاسياً بالوحشة والخوف لكن سرعان ما تجاوز ذلك واندمج تدريجياً مع اللاجئين،
ثم تقرب من العاملين في المجال التطوعي حتى أصبح شخصاً فاعلًا بينهم، وقامت إحدى المنظمات المحلية بتكريمه لاحقاً، وبعد عدة أشهر حصل حسين على الإقامة النرويجية وبدأ يشق طريقه بنفسه.
من اللجوء إلى النجاح في النرويج
تعلّم حسين اللغة النرويجية في فترة قياسية رغم أنه لم يكمل تعليمه في بلاده وبمجرد إتقانه للغة، بدأ رحلة البحث عن عمل، فتنقّل بين وظائف مؤقتة، وراسل أكثر من خمسين مؤسسة نرويجية ساعدته البلدية لاحقاً على استيفاء بعض الشروط،
ما أتاح له فرصة عمل في أحد أشهر المتاجر الغذائية في النرويج، هناك أثبت كفاءته حتى تمت ترقيته إلى منصب مدير، وحقق نجاحاً لافتاً كتبت عنه صحف محلية عدة.
هل يعود حسين إلى سوريا؟
رغم نجاحه في النرويج، يحمل حسين رغبة ملحّة بالعودة إلى سوريا وافتتاح متجر كبير في مدينة حلب، متمنياً أن يكون له دور فعّال في إعادة بناء سوريا واستعادة عافيتها من جديد.
ينهي حسين حديثه مع مراسل سانا قائلا: “أريد أن أعود إلى وطني سوريا وإلى مدينتي حلب، أرغب أن أترك بصمة جميلة هناك، وأحلم ببناء متجر في المكان نفسه الذي اعتقلني فيه النظام وقام بمصادرة الملابس التي كنت أبيعها برفقة والدي، تلك أقصى أمنياتي”.
سانا















