
يعاني مزارعو الذرة في ريف حلب من أزمات متعددة تهدد استمرارية زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، أبرزها شحّ المياه، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وغياب الدعم الحكومي، وفقاً لشهادات مزارعين وإدارات وتنظيم فلاحي.
في هذا التحقيق تتابع صحيفة الثورة واقع هذه الزراعة ومعاناة المزارعين ومطالبهم.
تحديات الري والتسويق والتجفيف
الفلاح أبو محمد (52 عاماً)، من دير حافر كشف عن انقطاع المياه لمدة 22 يوماً بين الريات، فليما تحتاج الذرة إلى رية كل 10 أيام كحد أقصى، ما أدى إلى انخفاض الإنتاجية بنسبة 40 بالمئة.
أما المزارع عبد الوهاب (43 عاماً) من السفيرة فأكد أن شراء مياه الآبار بأسعار مرتفعة يستهلك نصف أرباح الموسم قبل بدئه، ويحوّل العمل من الربح إلى الخسارة.
تشتري المؤسسة العامة للأعلاف الذرة بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج، وفقاً لفلاحي ريف سمعان، فيما يتحمل المزارعون تكاليف نقل المحصول إلى المجففات البعيدة، والتي لا تكفي طاقتها الاستيعابية، ما يضطرهم إلى التجفيف التقليدي على الطرقات، مما يعرض محاصيلهم للتلف وفقدان 20 بالمئة من وزنها.
مطالب المزارعين
معظم المزارعين الذين تواصل معهم مكتب صحيفة الثورة في حلب تحدثوا عن مطالبهم من أجل الاستمرار بزراعة هذا المحصول الاستراتيجي، ومن هذه المطالب، التسعير العادل، وإنشاء ١٠ مجففات إضافية قرب مناطق الإنتاج، وخاصة أن وجود ثلاثة مجففات فقط في دير حافر وتل علم ومسكنة بطاقة 1500 طن يومياً، لا تكفي لمعالجة الإنتاج،
الأمر الذي يضطر بسببه المزارعون لنشر المحصول على الطرقات لتجفيفه يدوياً، ما يعرضه للتلف والتلوث، كما قال بعض المزارعين، وكذلك المطالبة بإحداث وحدات إرشادية متنقلة لمكافحة الآفات، وتسهيلات مالية تتمثل بمنح المزارعين قروضاً دون فوائد لشراء المدخلات الزراعية.
تراجع الإنتاج وغياب الدعم
مدير الزراعة في محافظة حلب المهندس فراس سعيد، أوضح أن المساحات المزروعة بالذرة هذا العام، وحتى نهاية شهر تموز وصلت إلى 22260 هكتاراً من أصل المساحة المخططة والمقدرة بـ 36150 هكتاراً، أي بنسبة 65 بالمئة، حسب نوعية الذرة الرئيسية أو التكثيفية، لافتاً إلى أن الإنتاج المتوقع بالنسبة للذرة الصفراء العروة الرئيسية هو 1800 طن، وبالعروة التكثيفية بين 140- 180 ألف طن، أما بالنسبة للذرة البيضاء، فالإنتاج المتوقع هو 5880 طناً.
وكشف مدير الزراعة عن عدم تقديم أي دعم حكومي للمزارعين، في الوقت الذي يواجه فيه مزارعو الذرة العديد من التحديات، منها أعطال قنوات الري بعد الإصلاح في مشروع مسكنة شرق وغرب، وقرى سمعان، الأمر الذي أدى إلى عدم تنفيذ كامل المساحة المخططة، إلى جانب اضطرار المزارعين لشراء البذور من مصادر غير موثوقة من السوق السوداء وخاصة صنف “هجين هلن” الذي أدى إلى عدم الإنبات بعد الزراعة.
وأضاف المهندس سعيد: إن من جملة التحديات أيضاً ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج “الأسمدة- المحروقات والحراثة والنقل”، وكذلك عدم فعالية المبيدات العشبية في بعض المناطق، وفوق هذا وذاك فإن توقف الدعم الزراعي بالنسبة لمحصول الذرة الصفراء أدى إلى عدم تشجيع المزارعين على الزراعة.
رئيس اتحاد الفلاحين في محافظة حلب المهندس عبد الوهاب السيد، أوضح بدوره الصعوبات والمعوقات التي تعترض المزارعين بشكل عام ومزارعي الذرة بشكل خاص، منها ارتفاع أسعار البذار، وقلة المياه في بعض المناطق، والتكلفة الزائدة في المحروقات بسبب عدم وجود الطاقة الشمسية عند بعض الفلاحين، إضافة إلى غلاء أسعار البذار والأسمدة، وانتشار الدودة والجراد بشكل كبير الأمر الذي يتطلب بخ مبيدات حشرية.
مطالب اتحاد الفلاحين
وكشف المهندس السيد عن أهم مطالب الإخوة الفلاحين مزارعي الذرة الصفراء من مستلزمات الإنتاج، ولاسيما تأمين بذار ذرة ذات إنتاجية عالية، وتأمين مبيدات عشبية وحشرية على أن تكون فعالة وبتاريخ جديد، وكذلك تأمين المحروقات بأسعار منخفضة، وتأمين مجففات قريبة من أماكن زراعة محصول الذرة الصفراء، مع ضرورة تأمين مياه الري في الأوقات المناسبة لزراعة الذرة، كون هذا المحصول يحتاج إلى أكثر من عشر ريات، إضافة إلى إمكانية استلام الإنتاج من الفلاحين بأسعار مناسبة.
وختم رئيس اتحاد الفلاحين حديثه بالطلب من الجهات المعنية في الحكومة ضرورة متابعة أسعار الذرة في الأسواق العالمية والمحلية لتحديد أفضل وقت للبيع، والتعاون مع المزارعين الآخرين لتكوين مجمعات زراعية لزيادة نسبة التفاوض في الأسواق، كما أنه يلزم التنسيق مع الجهات المعنية والخاصة ضمن برامج خاصة من أجل تبني المشروع ودعمه.
أمن غذائي
“نزرع الذرة بأمل أن نطعم أطفالنا، لكننا نصبح أفقر كل موسم”.. بهذه الكلمات يلخص عدد من مزارعي الذرة مأساتهم، مضيفين: الحلول موجودة، وأهمها دعم الحكومة، التسعير العادل، وتطوير البنية التحتية، لكن الإرادة الحكومية غائبة، فيما يستمر الفلاحون في معركتهم اليومية من أجل البقاء، فهل يصل صوتهم، ويتم إنقاذ محصولهم..؟!.
الثورة – فؤاد العجيلي