مترو دمشق.. ضرورة سكانية وجدوى اقتصادية وحلم مفقود

يعود مشروع مترو دمشق إلى الواجهة مُجدداً، ومعه تعود الأسئلة ذاتها من حيث الإمكانية والجدوى ولاسيما راهناً في ظل اقتصاد مُدمّر يشق طريقه بصعوبة إلى التعافي، يُضاف إليها أسئلة عمرانية تنفيذية، وهي بدورها كانت مطروحة سابقاً،

مع العوائق المتعلقة بجغرافية دمشق ومشهدها العمرانيّ المرتبط بتراث عريق وأوابِدَ وآثار، إلى جانب البنية الجيولوجية لتربة دمشق، فهي تربة، وفقاً للعديد من الدراسات رخوة ورطبة ومليئة بالكهوف الهوائية، ما يُشكّل تهديداً كبيراً لمعمار المدينة حديثه وقديمه.

دراسات حول المشروع

وللوقوف على هذا الموضوع، يُقدّم أصحاب الرأي والاختصاص صورة موسعة حول المترو وإمكانية التنفيذ والجدوى والفوائد الاجتماعية والاقتصادية، مع استعراض تاريخي شامل للموضوع وصولاً لليوم إلى جانب الدراسات التي تناولت المشروع وضرورته..

فالمشروع قديم ويعود إلى عام 1983 وأجريت عليه الكثير من الدراسات سواء من شركات عالمية أو حتى من قبل طلاب الهندسة المدنية، كما يوضح أستاذ هندسة النقل والمرور في جامعة دمشق، الدكتور شفيق داود في تصريح لصحيفة «الحرّية»،

مُبيناً أنه كانت هناك مخططات لخطوط المترو تغيرت مع الزمن حسب استخدامات الأراضي والقيام ببعض المشاريع التي قد تبدو أنها تتعارض مع هذا المشروع الحيوي المهم، وقدّمنا عدة أبحاث تثبت أهمية وحيوية هذا المشروع، ولكن مع الأسف لم تتوفر الإرادة للبدء به.

ويتحدث الدكتور داود عن دراسة «الجايكا» اليابانية عام 1998 التي قامت بدراسة النقل والمرور في مدينة دمشق، وأثبتت ضرورة الانتقال من النقل بالباصات والميكروباصات إلى النقل السككي المكهرب أي إلى النقل بالمترو، على أن يكون على النحو التالي، جزء منه تحت الأرض والجزء الآخر خارج المدينة فوق الأرض،

لافتاً إلى أنّ آخر الدراسات لهذا المشروع المهم كان من شركة فرنسية BCOM والتي حددت خمسة خطوط يتم تنفيذها على مراحل، وعقود BOT أي بمشاركة القطاع الخاص أو شركات أجنبية ذات خبرة في هذا المجال، فمدينة مليونية كدمشق تستحق هذا النمط من النقل الصديق للبيئة

والذي يحافظ على هواء المدينة ويخفف من الحوادث المرورية ويقلّل من الانتظار المروي والاكتظاظ المروري في ظل العدد المتزايد من السيارات، إذ إن هناك مدناً أقل عدد سكان وأقل تلوثاً واكتظاظاً وحظيت بالنقل الداخلي السككي، في حين أنّ ودمشق أولى.

ليس مستحيلاً

وحول جغرافيا دمشق وآثارها وطبيعة تربتها، يرى أستاذ هندسة النقل والمرور أنه صحيح بأن دمشق تعوم على مجموعة غنية من الآثار، ولكن الأحرى بنا أن نستخرج الآثار ونحوّل المحطات تحت الأرض إلى متاحف تحتوي هذه الآثار لتكون متعة سياحية لمن يصعد مترو دمشق،

أما بالنسبة للتربة الرخوة ومياه بردى والأبنية التي تعترض مسار خطوط المترو فليس هناك من مشروع هندسي مستحيل، كل شي قابل هندسياً للتنفيذ، فالموضوع فقط موضوع فني وموضوع تكلفة، وهناك شركات متخصصة تبني أنفاقاً تحت البحار والمستنقعات، فليس هذا مستحيلاً.


ووفقاً لموضوع لمن الأولوية اليوم في مجال النقل، يرى الدكتور شفيق أنّ الأولوية لتنفيذ الخط الأخضر الذي يصل محطة القابون للقطارات المزمع إنشاؤها لتصل المحافظات الشمالية بدمشق، ويسير هذا الخط ليربط شرق المدينة بغربها ليصل إلى السومرية..

وخط آخر يصل بين محطة الحجاز ومحطة القدم وصولاً إلى السبينة والمطار ومدينة المعارض، وما علينا إلّا أن نبدأ بالتنفيذ ولاسيما أنّ الإمكانيات متاحة، ففي اليونان على سبيل المثال تمّ تنفيذ أحد المحاور في البداية وتحولت إحدى محلاته إلى متحف.

الجدوى

فالمطلوب من الحكومة لتنفيذ المشروع إدراك أهميته لدمشق العاصمة، وتوفر الإرادة وإفساح المجال للاستثمار في قطاع النقل بمشاركة القطاع الخاص والشركات ذات السمعة الطيبة والخبرة، فالمشروع له جدوى اقتصادية وتنموية فهو يوفر الصحة والبيئة النظيفة والحياة الكريمة ويُخفف من الازدحام المروري ومن الحوادث المرورية، ويرفع من مستوى الحياة في المدينة.

الدراسة الصحيحة

بدوره، يُقدّم الأستاذ في كلية العمارة في جامعة دمشق – عميد كلية العمارة بجامعة الرشيد الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا، الدكتور غسان عبود شرحاً مختصراً لطبيعة المترو، ويقول: المترو قسمان الأول وهو المحطة تنفذ فوق الأرض، وبما يخص مترو دمشق فالإمكانية متاحة للتحكم واختيار المكان المناسب، والقسم الثاني هو خطوط النقل، التي تنقسم إلى نوعين، الأول تحت الأرض والثاني فوقها.

الخط تحت الأرض يُحدّد عمقه وفق عملية سبر تكشف طبقات الأرض وماهيتها ويمكن تجنب المرور تحت أبنية دمشق، وفي حال الضرورة يُمكن زيادة عمق الخط، وفي حال وجود مياه جوفية يمكن التحكم بعزل الخط أو تغيير مستواه، وهنا يدخل وبقوة موضوع التكلفة، أما الخط فوق الأرض فيتم التحكم بمساره بحيث لا يتعارض مع الأبنية القائمة. ويختتم الدكتور عبود حديثه بالتأكيد أنّ الدراسة الصحيحة للمشروع هي النقطة الأهم.

صحيفة الحرية

  • Related Posts

    الأسعار.. هل تبقى مستقرة بعد زيادة الأجور؟
    • يونيو 28, 2025

    في خطوة وُصفت بالمفصلية، جاء قرار  رفع الرواتب بنسبة 200 للعاملين والمتقاعدين في الدولة ليترك انطباعات مشجعة ما أثار موجة تفاعل واسعة في الأوساط الاقتصادية والشعبية. وبينما رحّب كثيرون بهذه…

    Continue reading
    حلب: سوق المشارقة للخضار مهجور.. والبسطات تعود إلى العشوائية!
    • يونيو 28, 2025

    في الوقت الذي عادت فيه البسطات والعربات الجوالة للانتشار في ساحة باب جنين والرازي والفيض، لاحظنا خلال جولة ميدانية في سوق الخضار والفواكه بحي المشارقة أن البقعة المخصصة للسوق، المزودة…

    Continue reading

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    تكنولوجيا

    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة رقمية بأبعاد قانونية!

    • يونيو 26, 2025
    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة رقمية بأبعاد قانونية!

    تصنيف أهم أدوات الذكاء الاصطناعي المهددة لبياناتك!

    • يونيو 25, 2025
    تصنيف أهم أدوات الذكاء الاصطناعي المهددة لبياناتك!

    أفضل أجهزة الكمبيوتر المحمولة لعام 2025

    • يونيو 25, 2025
    أفضل أجهزة الكمبيوتر المحمولة لعام 2025

    الجيش الصيني يطور مُسيرة بحجم بعوضة!

    • يونيو 24, 2025
    الجيش الصيني يطور مُسيرة بحجم بعوضة!

    الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهمات وتوفير الوقت

    • يونيو 24, 2025
    الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهمات وتوفير الوقت

    أحدث وسيلة للغش بواسطة الذكاء الاصطناعي!

    • يونيو 21, 2025
    أحدث وسيلة للغش بواسطة الذكاء الاصطناعي!

    تسريب 16 مليار بيانات دخول في أكبر خرق أمني بالتاريخ

    • يونيو 20, 2025
    تسريب 16 مليار بيانات دخول في أكبر خرق أمني بالتاريخ

    هل فقاعة الذكاء الاصطناعي على وشك الانفجار؟

    • يونيو 20, 2025
    هل فقاعة الذكاء الاصطناعي على وشك الانفجار؟

    الاعتماد على الـ AI يُضعف التفكير البشري!

    • يونيو 19, 2025
    الاعتماد على الـ AI يُضعف التفكير البشري!

    ترامب يرجّح تمديد مهلة بيع «تيك توك»

    • يونيو 18, 2025
    ترامب يرجّح تمديد مهلة بيع «تيك توك»