
في حديث بدا مختلفاً عن كل ما اعتاد عليه جمهور كرة القدم، فتح لاعب ليتون أورينت الإنجليزي، جوردان غراهام قلبه، ليعترف: «أنا بالتأكيد من الذين يبصقون… ولم أفكر يوماً في كيف يمكن أن يبدو ذلك للآخرين».
الأمر الذي أثار اهتمام الباحثين والرياضيين على حد سواء: لماذا أصبح البصق سلوكاً شائعاً في كرة القدم، بينما يبدو مستهجَناً في أي رياضة أو مكان آخر؟
وحسب شبكة «The Athletic»، فإن غراهام يشرح الظاهرة من منظور ثقافي وسلوكي، قبل المنظور الجسدي: «اللاعب يصبح ابن بيئته. حين يرى نجومه المفضلين يفعلون ذلك، يفعل مثلهم دون وعي، ثم ينتقل السلوك إلى الأطفال الصغار الذين يشاهدونهم… ومع الوقت يصبح البصق جزءاً من طبيعة اللعبة».
أما لاعب ساوثهامبتون ونوتنغهام فورست السابق، والمحلل الحالي، ديفيد براتون، فيرى أن البصق أصبح مثل «طقس» متكرر: «حين يتوقف اللعب، يبدأ اللاعب في تعديل جواربه وقميصه… ثم يبصق؛ كأنها عادة مرتبطة بالإيقاع الذهني للمباراة».
ويضيف بابتسامة: «لو رأيتَ شخصاً يبصق في الشارع، ستستنكر فوراً، ولكن في الملعب يصبح الأمر عادياً، كأن القميص الذي ترتديه يمنحك تصريحاً لتغيِّر قواعد السلوك».
من الناحية العلمية، يقدم البروفسور غاي كاربنتر، من كلية كينغز في لندن، تفسيراً بيولوجياً مثيراً: «خلال التمرين، يزيد إفراز بعض البروتينات في الغدد اللعابية، وهي التي تجعل اللعاب أكثر لزوجة. ومع التنفس السريع والجفاف الناتج عن المجهود، يشعر اللاعب بأن فمه (مليء بلعاب ثقيل) فيميل إلى بصقه».
هذا يبين أن البصق في كرة القدم يرتبط بالمجهود العالي والتنفس السريع، أكثر من كونه سلوكاً مقصوداً.
لكن غراهام يرى أن الأمر ليس دائماً «لعاباً زائداً»؛ بل أحياناً قد يكون نقصاً في الترطيب: «قبل المباريات أتناول كثيراً من الكافيين أو (الجِلَّات) الرياضية، وهذا يجفف الفم. في بعض اللحظات أحاول البصق كطريقة لاستعادة الإحساس بالرطوبة داخل الفم».
ويضيف مبتسماً: «قد يكون الأمر بسبب التوتر أيضاً، كأنك على وشك تنفيذ ركلة جزاء أو الدخول بديلاً للمرة الأولى… التوتر يجعل فمك جافاً، فتبدأ
البصق دون وعي..
الظاهرة إذن مزيج من العُرف والفيزيولوجيا، ولكن كليهما جعلها جزءاً من هوية كرة القدم. يقول براتون: «حين أذهب الآن مع ابني البالغ 13 عاماً لمتابعة تدريباته في أكاديمية هدرسفيلد، ألاحظ أن الأطفال لم يكتسبوا هذه العادة بعد. يبدو أن البصق يظهر لاحقاً، ربما بتأثير ما يرونه على التلفزيون».
ويتابع: «والدي كان دائماً يقول لي: (لا داعي أن نراك تبصق يا ابني). كانت مسألة تهذيب، مثل احترام الحكم والمنافس. ولكن اليوم أصبحت مقبولة وكأنها جزء من اللعبة».
غراهام يعترف أن الحديث عن هذا الموضوع جعله يعيد التفكير في سلوكه: «ربما أبدأ في التوقف عن البصق إلا إذا كان ضرورياً فعلاً. نحن نتعود عليه لدرجة لا ننتبه له. ولكن حين أتابع مباراة مع والدتي مثلاً، وأراها تسأل: (لماذا يبصق كثيراً؟) أدرك كم يبدو غريباً من الخارج».
اللاعبون أنفسهم لا يملكون إجابة قاطعة: هل هو تأثير جماعي وثقافي متوارث في بيئة كرة القدم؟ أم استجابة جسدية طبيعية لتغير اللعاب مع الجهد؟ ربما كلاهما.
لكن المؤكد أن البصق في الملاعب سيبقى عادة صعبة الزوال، مهما بدا للمتفرجين سلوكاً «غريباً» أو «مقززاً»؛ لأنه، كما يقول غراهام: «في كرة القدم… تصبح الأشياء غير العادية عادية تماماً».















