متنوع

كيف يعيد التطور الرقمي تشكيل المجتمع السوري؟

يشهد المجتمع السوري تحوّلات واضحة في طريقة تفاعل أفراده بفعل التطور الرقمي المتسارع وهو تحول بات يغير ملامح العلاقات اليومية في الجامعات والبيوت وأماكن العمل.

وخلال مجموعة مقابلات أجرتها صحيفة “الثورة السورية”  مع طلاب وموظفين ومعلمين، ظهرت صورة دقيقة لما يفرضه العالم الرقمي من فرص وتحديات.

تقول ريم الأحمد، طالبة رياضيات  في جامعة دمشق: إن حياتها اليومية أصبحت مرتبطة بالهاتف أكثر مما هي مرتبطة بالجامعة نفسها.

وتشير إلى أن صداقاتها تتشكل عبر الرسائل والمجموعات أكثر مما تتشكل عبر اللقاءات المباشرة، معتبرة أن هذا النوع من التواصل يوفّر “مساحة واسعة للتعارف،

لكنه  بالوقت نفسه جعل العلاقات أقل عمقاً وأكثر هشاشة، و كثيراً من النقاشات التي كانت تحتاج حضوراً وجهاً لوجه، أصبحت تختصر اليوم برمز تعبيري أو تعليق سريع، وهو ما ينعكس على طبيعة الروابط بين الطلبة”.

أما أحمد العيسى طالب الهندسة من حمص فيرى أن التطور الرقمي فتح باباً واسعاً للتعلّم، خصوصاً عبر الدروس المسجلة والورشات الافتراضية التي ساعدته في فهم مواد تخصصه.

لكنه يعترف بأن هذا التطور “أثّر على التفاعل داخل السكن الجامعي”، إذ ينشغل معظم الطلاب بهواتفهم حتى وهم في غرفة واحدة، ويضيف،  ” أصبحنا  نعيش مع بعض  ولكن كل شخص يعيش بعالمه الرقمي المنفصل”.

بدوره يؤكد يوسف سكرية موظف في شركة خاصة بدمشق أن الرقمنة وفّرت له فرص عمل عن بعد لم تكن ممكنة سابقاً إلا أنها أثرت على حياته الأسرية،

فالمساءات التي كانت تجمع أفراد العائلة في جلسة واحدة أصبحت تُستبدل كل يوم بجلسة هادئة ينعزل فيها كل فرد خلف شاشة هاتفه،  ويرى أن هذا التغيير  “اقتطع مساحة مشتركة كانت ضرورية لتقوية الروابط الأسرية”.

ومن اللاذقية تشير المعلمة سارة الخطيب إلى تأثير التكنولوجيا على طلاب المدرسة موضحة أن عدداً كبيراً من الأطفال أصبحوا أكثر قدرة على التعامل مع الهواتف من قدرتهم على بدء محادثة مباشرة مع زملائهم.

وتقول: ” بعض الطلاب باتوا يفضلون المجموعات الإلكترونية على اللعب الواقعي ما يخلق فجوة في مهارات التواصل الاجتماعي التي يفترض أن تنمو داخل المدرسة”.

هذه الشهادات تعكس بوضوح أن التطور الرقمي لم يدخل حياة الأفراد كأداة تقنية فقط بل كعامل يعيد تشكيل البنية الاجتماعية نفسها.

ولتفسير هذه التحولات، قدّمت الدكتورة في جامعة دمشق كلية التربية مهاني شلهوب قراءة تحليلية لتأثير التطور الرقمي  في العلاقات الإنسانية لصحيفة الثورة السورية.

بحسب شلهوب، يعيش المجتمع مرحلة تزاوج بين العلاقات التقليدية وأنماط التواصل الرقمية وهذا التزاوج يخلق نمطاً اجتماعياً جديداً لا يقوم على الحضور الجسدي بقدر ما يقوم على الاستمرارية عبر الرسائل والمتابعة عبر المنصات.

وترى شلهوب أن الروابط الاجتماعية اليوم تتشكل بسرعة وتتفكك بنفس السرعة، وذلك نتيجة اعتمادها على تفاعل لحظي وليس على بناء طويل المدى.

وتشير إلى أن الهوية الرقمية أصبحت جزءاً أساسياً من شخصية الفرد، خصوصاً لدى المراهقين، حيث يتأثر تقديرهم لذواتهم بعدد الإعجابات والتعليقات، ما يخلق ضغوطاً نفسية جديدة لم تكن موجودة سابقاً.

وتلفت  شلهوب  إلى أن الأسرة هي أكثر المتأثرين إذ تراجع الحوار المباشر لصالح التواصل المختصر عبر الرسائل مما يجعل الروابط العائلية معرضة للضعف ما لم يتم ضبط الاستخدام داخل البيت.

ورغم هذه التحديات، تؤكد شلهوب  أن التطور الرقمي “قدّم فرصاً حقيقية للتعليم والعمل والتواصل العالمي”، وأن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا ذاتها بل في كيفية إدارتها اجتماعياً وأسرياً،

وتشدد على ضرورة بناء وعي يوازن بين الفائدة المعرفية والمهنية لاستخدام التكنولوجيا وبين الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الإنسانية المباشرة.

وترى أن مستقبل العلاقات الاجتماعية في سورية سيكون مرتبطاً بالعالم الرقمي بشكل أكبر، لكن الحفاظ على البنية الاجتماعية يستدعي جهوداً تربوية وثقافية مستمرة، لضمان أن يظل الإنسان في مركز العلاقة، لا في هامشها.

الثورة السورية – ميساء العجي

زر الذهاب إلى الأعلى