محليات

كيف عاش الأهالي في دمشق الساعات الأخيرة من تحرير مدينتهم؟

عقب أيام قليلة من سيطرتها على مدينتي حلب وحماة واستكمالها السيطرة على محافظة إدلب، أعلنت فصائل ردع العدوان تحريرها كامل مدينة حمص، مؤكدة أن عيونها “ترقب العاصمة دمشق”، واستمرار عملياتها لتحرير كامل ريف دمشق.

وأكدت الفصائل أنها تمكنت من تحرير أربع مدن خلال أربع وعشرين ساعة، وهي درعا والسويداء والقنيطرة وحمص، حيث حشدت قواتها على أطراف المدينة بعد بسط سيطرتها على مدن وبلدات رئيسة في محيطها، منها الرستن وتلبيسة والدار الكبيرة وتير معلة.

وشهدت مدينة حمص احتفالات في مركزها بعد دخول قوات فصائل ردع العدوان إليها يوم السابع من كانون الأول/ديسمبر 2024، وقيامها بتمشيط أحيائها بعد اندحار قوات النظام المخلوع منها، على الرغم من محاولاته اليائسة قصف جسر الرستن لعرقلة تقدم الفصائل.

تحرير حمص والتحرك نحو دمشق

وأشارت الفصائل إلى أنها تمكنت من تحرير أكثر من 3500 سجين من “سجن حمص العسكري”، كما أعلنت أيضا سيطرتها على مدينة القصير بريف حمص على الحدود مع لبنان، ودفعها بمزيد من التعزيزات من الشمال والجنوب إلى محاور العاصمة دمشق.

بالتزامن مع هذه الهجمات، شهدت محافظتا درعا والسويداء في الجنوب انتفاضات شعبية، وسيطر الأهالي وقوات ردع العدوان على النقاط العسكرية وطردوا قوات النظام منها، كما أدى الهجوم على جبهات أخرى في البادية السورية وبلدات القلمون الشرقي إلى إيقاع قوات النظام في الفوضى والانهيار.

وبعد وصول قوات ردع العدوان إلى تخوم دمشق، انتشرت مشاهد عديدة تظهر أعدادا كبيرة من جنود النظام وهم يتخلون عن أسلحتهم ويلقون بملابسهم العسكرية ويرتدون الملابس المدنية،

ويسارعون بالفرار من مواقعهم العسكرية سيرا على الأقدام، وقد دفع ذلك سكان ريف دمشق إلى الخروج في مظاهرات حاشدة، وتمزيق صور المخلوع بشار الأسد والدوس عليها ومهاجمة المواقع العسكرية المتبقية.

إسقاط النظام قاب قوسين أو أدنى

وانسحبت قوات النظام المخلوع من بلدات عدة في ريف دمشق، منها عربين ودوما في الغوطة الشرقية، ومن ريف دمشق الغربي بينها معضمية الشام وزاكية وكناكر وسعسع وفوج المدفعية، كما هربت قوات النظام من مطار المزة العسكري في دمشق، ومع انتشار حالة الذعر في صفوفهم انسحبوا من مواقعهم في محيط العاصمة.

ومع تسارع التطورات الميدانية، أكد قائد إدارة العمليات العسكرية في معركة “ردع العدوان” الرئيس أحمد الشرع آنذاك، أن “إسقاط النظام قاب قوسين أو أدنى”، موضحا أن من أعلن انشقاقه عن النظام وسلم نفسه ووضع سلاحه فهو آمن، فيما شددت فصائل ردع العدوان على حرصها على حماية جميع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية ومكاتب الأمم المتحدة في سوريا.

ومع تقدم قوات إدارة العمليات العسكرية بعد اندماج عناصر محلية في محافظة السويداء ضمن غرفة عمليات “ردع العدوان” وقوات غرفة عمليات الجنوب نحو مدينة دمشق، كان اللافت للنظر بشكل كبير هو تخلي عناصر النظام عن أسلحتهم وترك آلياتهم وتغيير بزاتهم العسكرية للنجاة بأرواحهم.

ومع حالة الإطباق على دمشق من الشمال والجنوب والشرق، شهدت المدينة حالة من الفوضى العارمة، تجلت بانسحاب قوات كبيرة من النظام إلى مطار دمشق الدولي وإلى المراكز الأمنية وسط العاصمة، في الوقت الذي أرسلت فيه إدارة العمليات العسكرية فرقة “العصائب الحمراء” المدربة خصيصا لاقتحام المدن لمواجهة التهديدات داخل دمشق.

ولم تمر ساعات قليلة حتى دخلت قوات إدارة العمليات العسكرية دمشق فجر الثامن من كانون الأول/ديسمبر، حيث علت أصوات التكبير من مآذن الجوامع، وأطلقت الأعيرة النارية في الهواء ابتهاجا بتحرير العاصمة وهروب المخلوع بشار الأسد من البلاد، إيذانا ببدء فجر جديد.

ورغم أصوات إطلاق الرصاص الكثيف في أنحاء دمشق، وانقطاع التيار الكهربائي عن الكثير من أحيائها، وضعف شبكة الإنترنت والخوف من المجهول الذي تملك البعض خشية حدوث فوضى في أعقاب إسقاط النظام،

فإن كل ذلك لم يمنع معظم الأهالي من الاحتفال بوصول قوات فصائل ردع العدوان إلى مدينتهم وتحريرهم من سطوة نظام لم يكترث، على مدى أكثر من خمسة عقود، لمستقبلهم أو يعمل على تبديد مخاوفهم وهواجسهم. وبثت القنوات التلفزيونية المختلفة مشاهد الاحتفالات في مناطق عدة،

ولا سيما في ساحة الأمويين، فيما جابت السيارات الشوارع والأزقة بمكبرات الصوت وهي تصدح بأناشيد الثورة والنصر.

ولاستذكار الساعات الأخيرة من يوم السابع من كانون الأول/ديسمبر الماضي، عشية إسقاط النظام وإعلان تحرير دمشق، نورد أحاديث لبعض قاطني العاصمة وريفها، يروون فيها لصحيفة “الثورة السورية” مشاهداتهم ومشاعرهم خلال ذلك اليوم.

التحرير.. يوم عيد

يقول غازي الحريب، القاطن في منطقة الزاهرة، إنه قبل ساعات من إعلان إسقاط النظام المخلوع فجر يوم الثامن من كانون الأول/ديسمبر، كانت الأجواء مخيفة بعض الشيء للناس خشية حدوث فوضى، ولأن الإنسان يخاف بطبيعة الأحوال من المجهول، وأيضا بسبب السطوة الأمنية للنظام المخلوع التي كانت تشكل رعبا للناس.

وأضاف أنه فور سماع نبأ هروب المجرم بشار الأسد من دمشق، خرج الناس بشكل عفوي قبل بزوغ الفجر، مشيرا إلى أنه خرج بدوره مع ولديه، ولا سيما أن التكبيرات كانت تصدح من مآذن الجوامع وكأنه يوم عيد، كما تعلو أصوات إطلاق الرصاص فرحا بالتحرير والنصر على حقبة ظلم امتدت خمسة وخمسين عاما.

وأشار إلى أنه تبادل التهاني والتبريكات بهذا الخلاص مع جيرانه، وسار باتجاه أوتوستراد الزاهرة، حيث كانت سيارات فصائل ردع العدوان تجوبه بالاتجاهين، في الوقت الذي تقوم فيه قواتها بالانتشار عند مداخل الحارات وفي الشوارع لطمأنة الناس والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة ومنع حدوث أي تجاوزات أو حالات فوضى.

ولفت أيضا إلى مشاهدته الكثير من البدلات العسكرية الخاصة بقوات النظام المخلوع وهي ملقاة بالقرب من حاويات القمامة لدى توجهه إلى منطقة التضامن للاطمئنان على أهله هناك، وعبر في ختام حديثه عن امتنانه لمن خلص الشعب السوري من القهر والظلم.

بدورها، تقول إسراء السيد، وهي تسكن في منطقة المزة جبل، إنها كانت تتابع عملية ردع العدوان منذ انطلاقها عبر الأخبار التي تبثها القنوات التلفزيونية، وفي مساء يوم السبت السابع من كانون الأول/ديسمبر كان هناك إطلاق رصاص بشكل كثيف، وإنها سمعت عن استعداد الفصائل لدخول دمشق،

لكنها توقعت أن العملية ستستغرق وقتا طويلا. موضحة أنه في الساعة الثالثة فجرا، سمعت مجددا أصوات إطلاق الرصاص، ورأت جنود النظام المخلوع وهم يلقون أسلحتهم ويخلعون بزاتهم العسكرية في الشوارع.

وأشارت إلى أنه كان هناك نزوح لبعض العائلات من منازلها خشية من الفوضى، مبينة أنه في تمام الساعة السادسة شاهدت سيارات لفصائل ردع العدوان وهي ترفع الأعلام وتعلن سقوط نظام بشار الأسد.

إذا الشعب يوما أراد الحياة

من ناحيته، يقول حسان حمادية، الذي يسكن في ضاحية يوسف العظمة، إنه رأى يوم السبت عشية سقوط النظام، بينما كان عائدا من عمله على الطريق من الجديدة إلى السومرية حوالي الساعة الرابعة عصرا، جنود النظام المنسحبين من القنيطرة وريف دمشق مشيا على الأقدام في منظر يبرهن للقاصي والداني على كيفية تخلي النظام البائد عنهم وتركهم لمصيرهم.

وأضاف أن كل شيء في ذلك اليوم كان ينبئ بحدث كبير، فالأسعار ارتفعت بشكل كبير، والدولار لامس 25 ألف ليرة، وسط تهافت كبير من المواطنين على شراء وتخزين المواد الغذائية خشية من أن تستغرق عملية تحرير العاصمة وقتا طويلا.

وتابع أن الشوارع غصت بجنود النظام الذين تركوا أسلحتهم وانسحبوا من قطعاتهم العسكرية بريف دمشق والقنيطرة ودرعا وارتدوا ملابس مدنية، مشيرا إلى أن أحد أصدقائه روى له أن أخاه كان جنديا على أطراف السويداء واتصل به لإعادته إلى منزله في دمشق لأنه لم يجد وسيلة نقل تقله من هناك، موضحا أنه ذهب إلى السويداء وأحضره.

وبين أن صديقه هذا أكد له أنه على امتداد الطريق بين المحافظتين كانت هناك أرتال طويلة لجنود وهم يسيرون على الأقدام باتجاه العاصمة، وعند وصولهم إلى حاجز “تاون سنتر” كان يوجد أحد ضباط النظام المخلوع وهو يحاول منعهم، دون جدوى، من دخول العاصمة والاستعداد للقتال، وقال لهم إن من يخالف أوامره سيطلق عليه الرصاص، لكنهم أسقطوه أرضا وقالوا له: لن نموت من أجل نظامك.

وأعرب حمادية عن سعادته البالغة بإسقاط نظام حكم البلاد بالحديد والنار نحو ستين عاما، وقتل أكثر من مليون ونصف المليون سوري، ودمر مدنا بأكملها، وشرد الملايين خارج وداخل سوريا، وحارب شعبه حتى في قوت يومه، ونهب ثروات البلد لصالحه وصالح دائرة المقربين منه الفاسدة.

وشدد على أن إرادة الشعب تظل دائما أقوى من كل آلات القتل والقمع، وكما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”.

نصر عظيم

من جانبه، يقول الإعلامي وليد محسن: “لم تكن ليلة الأحد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 أو صباحها عاديا، فلم يجد النوم سبيلا إلى عيوننا، حيث كنا نترقب مجريات الأمور بعد يوم طويل شهد انهيار قوات النظام المخلوع بشكل واسع في درعا والسويداء وفي محيط دمشق”.

وأضاف: خلال عودتي مساء يوم السبت السابع من كانون الأول/ديسمبر إلى منطقة صحنايا حيث أقيم، بعد أن هجّرت من منزلي في منطقة حجيرة عام 2012، كنت أشاهد عناصر قوات النظام المخلوع يتركون معسكراتهم وآلياتهم ويتوجهون سيرا على الأقدام على أوتوستراد درعا نحو دمشق،

كما تركت عناصر الحواجز، مثل حاجز “تاون سنتر” وحاجز مدخل أشرفية صحنايا، أماكنها، ما يعني أن سقوط الطاغية كان قاب قوسين أو أدنى.

ويتابع: وهو ما شهدناه فجر الثامن من كانون الأول/ديسمبر، حيث علت الصيحات وخرج الجميع إلى الشوارع للاحتفال بهذا النصر العظيم والخلاص من نظام أهلك الحرث والنسل، وجثم على صدور السوريين عقودا طويلة لم تحمل سوى المعاناة والقتل والجرائم والاعتقالات والخراب والتدمير على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية.

ويبين أن أصوات الانفجارات والغارات الكثيفة التي شنها الطيران الإسرائيلي صبيحة يوم الأحد لم تستطع أن تغطي على فرحة الناس أو تخيفهم، حيث بقي الجميع في الشوارع يهللون ويكبرون فرحا بهذا النصر،

فيما كان اللافت هو حالة التآلف بين جميع المكونات السورية التي تعيش في صحنايا، والتي تضم مقيمين من مختلف المناطق والطوائف، وعدم تسجيل حوادث انتقام، الأمر الذي جعل الاحتفال يأخذ طابعا أجمل وأكثر تنوعا.

وأشار إلى أن عودة الحياة إلى طبيعتها لم تتأخر، حيث سارع الكثير من أصحاب المحلات إلى فتح أبوابها، كما عادت حركة النقل بشكل سريع، فيما بقيت الغصة في قلوب أمهات المعتقلين والمغيبين في صيدنايا وباقي سجون النظام البائد، وسط بصيص أمل بعودتهم أحياء،

وهو ما تلاشى فيما بعد إثر اكتشاف الأرقام المهولة لمن قام النظام المجرم بإعدامهم وقتلهم ودفنهم في مقابر جماعية على امتداد مساحة سوريا.

مستقبل واعد لسوريا

ومن محافظة درعا، يقول المدرس في ثانوية المتفوقين أحمد العبود: إنه في يوم السادس من كانون الأول/ديسمبر الماضي، كان برفقة أحد أصدقائه في دوار رئيسي بمدينة درعا، ولفت نظره وجود سيارة لشرطة المرور مركونة وأبوابها مفتوحة وخالية من عناصرها، موضحا أن هذا المنظر كان مؤشرا إلى أن الساعات القادمة تحمل شيئا ما للمدينة.

وأشار إلى أنه بالفعل، في الساعة العاشرة ليلا، بدأت قطعان النظام بالهروب من المدينة متجهة إلى العاصمة، وذلك بالتزامن مع دخول طلائع قوات ردع العدوان إلى المدينة، مبينا أن درعا ضجت بأصوات الأعيرة النارية والمفرقعات وزغاريد النسوة وأهازيج الشباب ابتهاجا بتحرير المدينة، التي يكاد يجزم أن أعين أبنائها لم تنم تلك الليلة.

ويضيف أنه في اليوم التالي خلد إلى النوم مبكرا لوعكة صحية ألمت به، واستفاق على أصوات ابتهاج مشابهة لأصوات الليلة الماضية، لكنه كان مستغربا ومستهجنا بعض الشيء، إلى أن علم من وسائل التواصل الاجتماعي عن وقوع حدث كبير،

وتابع الأخبار إلى أن سمع جملة: “الساعة الآن هي السادسة وثماني عشرة دقيقة بتوقيت دمشق.. سوريا بدون بشار الأسد”. ويقول: “أجهشت ببكاء الفرح الذي غاب عنا عقودا حالكات من الظلم والاستبداد”.

ويؤكد أن دمشق، بل سوريا قاطبة، لم تنم في تلك “الليلة المباركة”، ليلة سقوط طاغوت العصر وتحرير الوطن من رجسه، ويشدد على أن يوم الثامن من كانون الأول لن ننساه أبدا، وسيبقى خالدا في ذاكرة الأجيال القادمة.

ويقول إن الشوارع والساحات العامة والميادين والأزقة وشرفات المنازل في عموم سوريا غصت بالناس المحتفلين بسقوط النظام، وكأنهم سكارى من شدة حبورهم، وترى الأمواج البشرية المنتشية بالنصر العظيم مستبشرة بمستقبل واعد لسوريا الوطن، مستقبل يمحو – قدر المستطاع – عذابات أمهات الشهداء والجرحى.

الثورة السورية – أسماء الفريح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى