محليات

قلعة حارم في إدلب… شاهد حي على العمارة والتراث في سوريا

تبرز قلعة حارم في إدلب كأحد أهم الأوابد الأثرية في سوريا، شاهدةً على عصور متعاقبة،

تتجلى فيها روعة العمارة العسكرية والدينية، وتحتضن بين جدرانها تاريخاً ثرياً من الدفاعات والتحصينات التي جعلتها حصناً استراتيجياً عصياً على الغزاة.

الموقع الجغرافي

تقع القلعة على الطرف الشمالي الغربي لجبل الأعلى جنوبي مدينة حارم في محافظة إدلب، وتبعد 50 كم عن مدينة إدلب، وتتمركز فوق تل طبيعي اصطناعي مساحته 4.5 هكتارات، وارتفاعه 45 متراً.

الأهمية التاريخية والعسكرية

حول الأهمية التاريخية والأثرية للقلعة، قالت الدكتورة أمل نصر حسين أمينة متحف إدلب ومعاونة مدير آثار إدلب والأستاذة المحاضرة في جامعتي إدلب وحلب خلال حديثها لـ سانا: “إن قلعة حارم تمثل نموذجاً مميزاً لعمارة التحصينات العسكرية خلال عصور متعاقبة”.

وتبرز أهمية القلعة وفقاً لحسين في كونها توءماً لقلعة أنطاكية من حيث التخطيط والبناء، إضافة إلى وجود نفق للخيّالة يربط بين القلعتين، كان يسهّل التبادل التجاري ويعزز القدرة الدفاعية، كما تمتلك موقعاً استراتيجياً جعلها عصيّة على الحملات العسكرية المتعاقبة، لأنها تتحكم بالطرق الواصلة بين حلب وأنطاكية والقدس.

ومن الميزات الأخرى التي تحظى بها القلعة كما ذكرت حسين ارتفاعها الشاهق الذي يصل إلى 136 متراً فوق سطح البحر، الأمر الذي منحها تفوقاً عسكرياً واضحاً، كما لعبت دوراً دينياً مهماً في العصر البيزنطي، حيث عُرفت باسم دير حارم.

التسمية

أوضحت حسين أن أقدم تسمية للمنطقة وردت في وثيقة سريانية آرامية تعود إلى القرن السابع الميلادي باسم “حرم” (HRM)، وتعني المنذور أو الحرام،

وتنقل عن ياقوت الحموي في معجم البلدان أن التسمية مشتقة من الحرمان لحصانتها، أي أنها مكان مقدّس يُحرم تدنيسه على العدو.

تاريخ القلعة

تشير الدلائل الأثرية المكتشفة ضمن أعمال قامت بها البعثة السورية الإيطالية بأعمال أثرية في قلعة حارم بين عامي 1999 و2002 إلى فترات استيطان تعود للقرن السادس قبل الميلاد خلال الحقبة الإخمينية.

وبينت حسين أنّ أصل القلعة هو تل صناعي حوّله الرومان إلى قلعة صغيرة، ثم قام البيزنطيون بتوسيعه وتطويره، إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي فأعاد بناءها بشكلها الحالي، وتولى الظاهر بيبرس تحصينها في العصر المملوكي.

كما كانت حارم منتجعاً لسلاطين الدولة الأيوبية، وفي العصر الحديث اتخذت كموقع دفاعي خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا، وخاصة في ثورة المجاهد إبراهيم هنانو.

الوصف الأثري والمعماري للقلعة

حددت حسين معالم القلعة والتي تظهر اليوم كنموذج واضح لعمارة التحصينات الإسلامية التي شاع استخدامها في القرون الوسطى، مبينةً أن تصميمها يعبر عن الأسلوب الدفاعي الذي اعتمده الأيوبيون في تشييد حصونهم.

وأضافت حسين: يحيط بالقلعة خندق عميق منحوت بالصخر، يليه منحدر صخري مغطى ببلاط حجري يطوّق القلعة بالكامل، ويأتي بعده السور الخارجي الذي تنتشر عليه الأبراج المجهزة بمرامي السهام، ويتخذ الضلع الجنوبي للسور شكلاً نصف دائري يتوزع عليه عدد من الأبراج بشكل شعاعي.

يقع المدخل الرئيسي بين برجين بارزين، وتؤدي البوابة إلى مدخل منكسر شبيه بمدخل قلعة حلب، ومنه تتفرع ثلاثة محاور رئيسية، هي ممرات مسقوفة بعقود تصل بين أجزاء القلعة.

الأقسام الداخلية للقلعة

تضم القلعة سوقاً تجارياً وفقاً للدكتورة حسين يضم 12 محلاً موزعاً على الضلعين الشمالي والجنوبي، ملحقةً بعدد من المستودعات والغرف الخاصة بتخزين البضائع،

وقد سُقف السوق بعقود متصالبة تتخللها فتحات مستديرة ومربعة للإنارة والتهوية، بينما تتخذ الحوانيت مساقط مربعة ذات أسقف مقوسة وبوابات بعقود دائرية مدببة.

أما الحمام العام فيقع في منتصف الضلع الشمالي الذي يضم قاعة استقبال واسعة.

دار الإمارة والحمام الملكي

أشارت الدكتورة حسين إلى أن قسم دار الإمارة يقع في الجهة الشرقية من القلعة، ويضم عدداً من القاعات والغرف، وإلى جانبها حمام خاص مكوّن من حجرتين مسقوفتين بقباب،

إحداهما كانت مخصصة للموقد وفي جدرانها أنابيب فخارية لتمرير الماء الساخن، أما الأخرى فهي غرفة الاستحمام التي تزيّن زواياها المقرنصات الأيوبية.

وتظل قلعة حارم شاهدةً حية على غنى التراث السوري وتنوعه، محملة بتاريخ طويل من الحصون والتحصينات التي صمدت أمام العصور والحروب،

لتبقى معلماً أثرياً بارزاً يستحق الحفاظ عليه كجزء من الهوية التاريخية والثقافية لمحافظة إدلب وسوريا ككل.

سانا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى