قلعة العُريمه.. شاهدة على تاريخٍ تليد

بموقعها الجميل والمشرف على سهل عكار، تتعانق الخضرة والبحر بلوحة جماليّة آسرة، تربض قلعة العريمه التاريخيّة بما بقي منها من سور وبرج، هي الباقية كذاكرة لماض وتاريخ تليد، كانت شاهدة عليه.

صحيفة الثورة التقت المؤرخ الآثاري بسام القحط، والذي حدثنا عن القلعة التي تحتاج إلى الترميمات الواسعة لخرائب القلعة وحاجتها لإعادة البناء، لأهمّيتها الكبيرة وموقعها الاستراتيجي في ساحل صافيتا على نهر الأبرش، والذي يجعل منها من أجمل قلاع سهل عكار، وقِبلة سياحيّة مهمة في حال ترميمها بشكل كامل.

عينٌ على تاريخها

بمجرد دخولك وأنت زائر من لبنان إلى سوريا عن طريق نقطة العريضة البحريّة الحدوديّة، وعلى يمين الطريق البحري الذي يصل بين بلدة الحميديّة ومدينة طرطوس، تطل قلعة العُريمه من موقعها الاستراتيجي على رأس تلة ارتفاعها 172 متراً، مشرفة على الوادي الأدنى لنهر الأبرش التاريخي قبل أن يصب النهر في البحر الأبيض المتوسط مباشرة.

العُريمه ككل القلاع الباقية في منطقة الساحل العربي السوري

أعيد بناء القلعة الفينيقية الأصل من قبل الإفرنج الصليبيين، على أساسات تل أثري فينيقي عموري، منوهاً بأنّ اسم القلعة اشتق من تصحيف اسم التل الفينيقي العموري (عمورو أو عموري) إلى اسم (عُريمه) بضم العين وتشديد الميم وتسكين الهاء.

وحسب القحط فإنه يوجد قلعة بنفس الاسم في سلطنة عمان، وجاء العمّوريون أبناء عم العرب وأجداد الفينيقيين من اليمن السعيد إلى سوريا عن طريق ساحل سلطنة عمان منذ خمسة آلاف عام، لافتاً أنه طيلة تاريخها قبل الميلاد كانت العُريمه تابعة إلى مملكة أرواد، المملكة الفينيقية الشمالية، وبعد الميلاد استمرت القلعة في زمن الروم 64 ق م – 641م، مشكلة قاعدة ساحل قضاء صافيتا البحري، حيث ارتبطت قلعة العُريمه فعلياً وبالنظر، مع دير مار الياس للروم الواقع إلى الجنوب منها، ومع قلعة برج صافيتا إلى الشمال الشرقي منها،.

مشيراً إلى أنه بعد الفتح الإسلامي عام 641 م استمرت قلعة العريمه بيد العرب أكثر من أربعة قرون، ثم احتلها الصليبيّون عام 1098 مع سيطرتهم على قلعتيّ صافيتا وطرطوس، وبقي فيها هؤلاء حوالي قرنين من الزمن، حيث قام الإفرنج الصليبيون بإعادة بناء القلعة بالكامل الفترة 1100 -1112م لكي يربطوها بالنظر مع قلعة برج صافيتا المركزيّة في إطار نظام تبادل إشارات عسكرية صليبية تمتد من مدينة طرابلس إلى مدينة صافيتا مروراً بقلعة العريمه ومن صافيتا إلى الداخل السوري.

موضحاً أن السلطان نور الدين الزنكي قد تمكن من تحرير القلعة من الصليبيين في شهر آب من عام 1148، وأخذ ( ربرتراند بن الفنس الصنجيلي) حاكم القلعة الصليبي المعروف لدى الإخباريين العرب باسم (ابن الفنش ) أسيراً إلى حلب ومعه والدته.

قالوا عنها شِعراً، وقد خلد المؤرخ العربي المشهور ابن الأثير حادثة أسر حاكم قلعة العريمة الصليبي من قبل السلطان نور الدين الزنكي شعراً حين قال:

وفي سجننا ابن الفنش خير ملوكهم وإن لم يكن خير فيهم ولا بر

أسرناه من حصن العريمه راغما وقد قتلت فرسانهم فهم جزر

وأضاف القحط : لكن فرسان المعبد الداوية من الصليبيين المتمركزين في قلعة صافيتا، ما لبثوا أن استعادوا العريمه من السلطان الزنكي، وبقيت بأيدي الصليبيين لأكثر من 130 عاماً أخرى حتى حرّرها السلطان المملوكي الناصر قلاوون منهم نهائياً، ودمر القلعة عام 1286، وفي العهد العثماني 1516 – 1918م، بقيت منطقة قلعة العريمه تابعة إلى قضاء صافيتا الكبير، وتشكل أساس منطقة ساحل صافيتا البحري، كما تشكّلت حول تلة قلعة العريمه قرية صغيرة معروفة باسم قرية العريمه حتى يومنا هذا.

القلعة الإفرنجية

الباقية حالياً مبنية فوق الأقبية والكهوف العائدة لفترتيّ الفينيقيين والروم؛ وقد بنيت بحيث تشغل سطح التلة بأكمله، منوهاً المؤرخ التاريخي بأن الصليبيين قد عمروها على مستويين:علوي (قليعة قصر) كانت في أعلى نقطة من التلة، ومنها يمكن بسهولة مشاهدة برج صافيتا من الشمال الشرقي، والبحر المتوسط من الغرب بوضوح تام وهناك قليعة سفلية، مسوّرة بسور حصين، وهي تحيط بقليعة القصر من ثلاث جهات، ومحمية ببرج قليعة القصر العلوية من جهة صافيتا.

المؤرخ الآثاري بسام القحط ختم بالقول: تهدّمت معظم أجزاء القلعة، منذ أكثر من سبعة قرون، ولم يبق منها سوى بعض الجدران المسوّرة من الجنوب والغرب والسطح، والقبو الرئيسي تحت قليعة القصر، وكذلك أقبية المدخل والمصلّى الصغير من جهة الغرب، وهو المصلى المرتبط بفرسان المعبد الداوية من الصليبيين.

صحيفة الثورة

  • Related Posts

    من بوابة المتحف الوطني.. اليونسكو تعود إلى سوريا
    • يونيو 11, 2025

    أكدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو استئناف أنشطتها في سوريا بعد انقطاع دام 14 عاماً عن التعاون مع النظام البائد. وقالت المنظمة عبر موقعها الرسمي، إنها “أطلقت مبادرة أولى…

    Continue reading
    تراث حلب في كتاب عن مشروع «كلمة»
    • يونيو 10, 2025

    أصدر مركز أبوظبي للغة العربية ضمن مشروع «كلمة» للترجمة، كتاب «حلب.. تراث وحضارة» للمفكر والباحث الفرنسي جان كلود دافيد، الذي نقلته إلى العربية الدكتورة هلا أحمد أصلان، وراجع ترجمته كاظم…

    Continue reading

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    تكنولوجيا

    «أبل» المتأخرة في الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات معقّدة

    • يونيو 8, 2025
    «أبل» المتأخرة في الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات معقّدة

    جيميني.. تلخيص ذكي لرسائلك في Gmail

    • يونيو 8, 2025
    جيميني.. تلخيص ذكي لرسائلك في Gmail

    الميكروويف والمرايا… 5 أشياء تُضعف الواي فاي في منزلك

    • يونيو 7, 2025
    الميكروويف والمرايا… 5 أشياء تُضعف الواي فاي في منزلك

    «ويكي توك»… تجربة معرفية على طريقة «تيك توك»

    • يونيو 7, 2025
    «ويكي توك»… تجربة معرفية على طريقة «تيك توك»

    سوريا تبحث مع شركات خليجية مشروع الألياف الضوئية

    • يونيو 5, 2025
    سوريا تبحث مع شركات خليجية مشروع الألياف الضوئية

    الذكاء الاصطناعي هل يحل محل الـ«HR»؟

    • يونيو 4, 2025
    الذكاء الاصطناعي هل يحل محل الـ«HR»؟

    التنافر المعرفي البشري يظهر في نموذج للذكاء الاصطناعي

    • يونيو 3, 2025
    التنافر المعرفي البشري يظهر في نموذج للذكاء الاصطناعي

    الذكاء الاصطناعي يهدّد مستقبل الموسيقيين!

    • مايو 31, 2025
    الذكاء الاصطناعي يهدّد مستقبل الموسيقيين!

    متصفح Fellou يغيّر قواعد اللعب في عالم الإنترنت!

    • مايو 30, 2025
    متصفح Fellou يغيّر قواعد اللعب في عالم الإنترنت!

    “ميتا إيه آي” تتجاوز حاجز المليار مستخدم

    • مايو 29, 2025
    “ميتا إيه آي” تتجاوز حاجز المليار مستخدم