في ذكرى الرحيل .. “عبد الباسط الساروت” صوت الثورة وروحها الخالدة

في مثل هذا اليوم، الثامن من حزيران، تحلّ الذكرى السادسة لرحيل عبد الباسط الساروت، أحد أبرز رموز الثورة السورية، ذلك الصوت الذي هزّ أرجاء الوطن وارتبط وجدان السوريين بأهازيجه وشجاعته، فخلّد اسمه في ذاكرة الأحرار كمنشدٍ للثورة، ومقاتلٍ في صفوفها، و”شهيدٍ حي” مايزال حياً في قلوبهم.

عرف السوريون الساروت منذ الأيام الأولى للثورة، حين صدح صوته في ساحات المظاهرات، حاملاً شعارات الكرامة والحرية، صار اسمه يتردد على لسان كل كبير وصغير، وأهازيجه باتت جزءاً من الذاكرة الثورية، لا تُردّد إلا وتُستحضر معها وجوه الشهداء، وصور ميادين الغضب والأمل.

في يوم استشهاده، لم تكن الخسارة مجرد فقد شخص، بل كانت لحظة رمزية تعيد التذكير بالعهد الذي قطعه هو ورفاقه: ألّا يتوقفوا حتى تحرير البلاد، وأن يسجدوا على أبواب حمص إن غاب عنها شهيدها حين النصر.

وُلد عبد الباسط الساروت في كانون الثاني/ يناير 1992 في حي البياضة بمدينة حمص، وسط عائلة مكوّنة من تسعة إخوة، ونشأ في بيئة فقيرة بين تحديات الحياة اليومية وصخب أزقتها، ترك المدرسة مبكراً ليعمل في الحدادة إلى جانب والده، لكن موهبته الرياضية ظهرت باكراً، فحمل قفّاز الحراسة في نادي الكرامة، وارتقى إلى حارس مرمى منتخب سوريا للشباب، حيث حقق عدة جوائز، أبرزها جائزة ثاني أفضل حارس مرمى في آسيا.

إلا أن الحلم الرياضي لم يكن وحده ما يحمله الساروت، بل كان في داخله توق للحرية، ومع انطلاق الثورة في آذار 2011، وكان حينها في التاسعة عشرة من عمره، قرر ترك الملاعب والانخراط في الحراك السلمي، ليصبح خلال فترة قصيرة أبرز الوجوه الثورية، بلبل الميادين، وصوت الحرية الذي هتف بـ”جنة يا وطنا”، و”لأجل عيونك يا حمص”، و”حانن للحرية”، كلمات تحولت إلى نشيدٍ جماعي يلهب الحشود ويقضّ مضاجع الطغاة.

ومع دخول الثورة مرحلة الكفاح المسلح، انضم الساروت إلى صفوف المقاومة دفاعاً عن مدينته، وأسس “كتيبة شهداء البياضة” إلى جانب أبناء حيّه، وواجهوا معاً آلة القمع العسكرية، صمد خلال حصار حمص، وخاض معارك ضارية، أبرزها معركة “المطاحن”، التي كانت رمزاً للتحدي تحت الحصار، ودفع الساروت ثمناً باهظاً، بفقدان عدد من رفاقه، بينهم اثنان من أشقائه، إلا أن تلك المحن لم تكسر عزيمته.

وبعد قرابة 700 يوم من الحصار، خرج الساروت ورفاقه من حمص في أول عملية تهجير قسري شهدتها الثورة، نُقل إلى ريف حمص الشمالي، واصل من هناك نضاله رغم التحديات، وتعرض لحملة تشويه واتهامات، لكنه لم يتراجع، انتقل لفترة قصيرة إلى تركيا، ثم عاد إلى الميدان مجدداً، وكانت محطته الأخيرة في ريف حماة.

في برنامج بودكاست “دفين”، تحدث العميد جميل الصالح، القائد السابق لجيش العزة، عن الساعات الأخيرة من حياة الساروت، حيث أصرّ على خوض معركة حاجز “تل ملح”، رغم طلب الصالح منه البقاء في غرفة القيادة. شارك الساروت في الهجوم، يقاتل وينشد في آنٍ واحد، لرفع معنويات المقاتلين، وتمكنوا بالفعل من تحرير الحاجز. وعند المساء، وبينما كان يجهز لإدخال الطعام للمقاتلين وترتيب الرباط، أصابته قذيفة.

أُصيب الساروت مرة ثانية أثناء محاولته إسعاف اثنين من المقاتلين، ثم نُقل إلى خان شيخون بإدلب، ثم إلى الدانا، حيث تقرر نقله إلى تركيا بسبب حالته الحرجة. وهناك، في أحد مستشفياتها، ارتقى شهيداً في الثامن من حزيران 2019.

لم يكن الساروت مجرد منشد أو مقاتل، بل أيقونة وطنية، قصيدةً حية كُتبت بدمه، ورايةً خفّاقة في ذاكرة الثورة، له ولأمثاله المجد والخلود، فذكراه تتجاوز القبور، وتعيش في صوت يهتف في الساحات، وفي كل زهرة تنمو على أرضٍ حلم بها حرة، وسيبقى الساروت وصوته الذي يصدح عالياً حاضراً في ذاكرة ووجدان السوريين، كرمز لسوريا الحرة، هو وصحبه الذين سبقوه ومن جاء بعدهم على درب الحرية، ضحوا بدمائهم ليخلدوا أسماءهم في سطور المجد.

صحيفة الثورة

Related Posts

الأمن الداخلي يلقي القبض على المتسبب بتعذيب طفل في حماة
  • يونيو 9, 2025

ألقت قوات الأمن الداخلي في مدينة حماة، الإثنين 9 حزيران، القبض على شخص ظهر في مقطع مصور وهو يقوم بتعذيب طفل، بينما نقل الطفل إلى الرعاية الصحية. وقال محافظ حماة…

Continue reading
ضبط  شحنة ضخمة من المخدرات بحوزة لبنانييَّن في حلب!
  • يونيو 9, 2025

أعلنت إدارة مكافحة المخدّرات، الاثنين 9 حزيران، إلقاء القبض على شخصين يحملان الجنسية اللبنانية في محافظة حلب، بعد أن ثبت تورّطهما بتهريب وترويج كميات ضخمة من مواد مخدرة داخل الأراضي…

Continue reading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تكنولوجيا

«أبل» المتأخرة في الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات معقّدة

  • يونيو 8, 2025
«أبل» المتأخرة في الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات معقّدة

جيميني.. تلخيص ذكي لرسائلك في Gmail

  • يونيو 8, 2025
جيميني.. تلخيص ذكي لرسائلك في Gmail

الميكروويف والمرايا… 5 أشياء تُضعف الواي فاي في منزلك

  • يونيو 7, 2025
الميكروويف والمرايا… 5 أشياء تُضعف الواي فاي في منزلك

«ويكي توك»… تجربة معرفية على طريقة «تيك توك»

  • يونيو 7, 2025
«ويكي توك»… تجربة معرفية على طريقة «تيك توك»

سوريا تبحث مع شركات خليجية مشروع الألياف الضوئية

  • يونيو 5, 2025
سوريا تبحث مع شركات خليجية مشروع الألياف الضوئية

الذكاء الاصطناعي هل يحل محل الـ«HR»؟

  • يونيو 4, 2025
الذكاء الاصطناعي هل يحل محل الـ«HR»؟

التنافر المعرفي البشري يظهر في نموذج للذكاء الاصطناعي

  • يونيو 3, 2025
التنافر المعرفي البشري يظهر في نموذج للذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي يهدّد مستقبل الموسيقيين!

  • مايو 31, 2025
الذكاء الاصطناعي يهدّد مستقبل الموسيقيين!

متصفح Fellou يغيّر قواعد اللعب في عالم الإنترنت!

  • مايو 30, 2025
متصفح Fellou يغيّر قواعد اللعب في عالم الإنترنت!

“ميتا إيه آي” تتجاوز حاجز المليار مستخدم

  • مايو 29, 2025
“ميتا إيه آي” تتجاوز حاجز المليار مستخدم