
تشهد شوارع مدينة حلب في الآونة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً لبسطات الصرافة غير النظامية، في ظل تعدد العملات المتداولة بين الليرة السورية والليرة التركية والدولار الأميركي.
ومع غياب مكاتب الصرافة الرسمية في بعض الأحياء، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع هذه البسطات، رغم ما يترتب عنها من مخاطر قانونية واقتصادية.
يقول مراد الخالد، صاحب متجر مواد غذائية في حي الصاخور لـ”العربي الجديد”، إنه يضطر يومياً إلى تبديل مبالغ من الليرة السورية إلى الدولار الأميركي حتى يتمكن من شراء حاجيات متجره.
ويضيف أن الاعتماد على بسطات الصرافة بات الخيار الأسرع والأقرب بالنسبة إليه وإلى غيره من أصحاب المحال، نظراً لغياب المكاتب المرخصة في المنطقة.
ويبين الخالد أن أسعار الصرف لدى هذه البسطات غالباً ما تكون متفاوتة بشكل ملحوظ، ما يخلق حالة من الإرباك للتجار الصغار الذين يعملون برأسمال محدود.
ورغم إدراكه لمخاطر التعامل مع صرافين غير نظاميين، فإنه يرى أن غياب البدائل يجعل من هذه البسطات “شراً لا بد منه” لمواصلة عمله وتلبية احتياجات الزبائن.
أما سعاد الحسين، ربة منزل من حي الشعار، فترى أن انتشار بسطات الصرافة انعكس سلباً على الأهالي أكثر مما أفادهم. وتقول إن غياب سعر موحد للعملة جعل كل صراف يحدد السعر وفق مزاجه، الأمر الذي تسبب بحالة فوضى واضحة في الأسواق.
وتشير الحسين إلى أن هذه الفوضى لا تقتصر على التجار فحسب، بل تمتد لتشمل العائلات العادية التي تضطر إلى تبديل مبالغ صغيرة لتغطية احتياجاتها اليومية.
وتؤكد أن الأسر كثيراً ما تتعرض لخسائر ملموسة نتيجة الفارق بين سعر الشراء والبيع خلال يوم واحد فقط، ما يزيد من الضغوط المعيشية على الناس الذين يرزحون أصلاً تحت أعباء اقتصادية ثقيلة.
من جانبه، يروي أحمد الزعبي، وهو عامل يومي في ورشة بناء بحي بستان القصر، قصة أخرى مع تصريف العملات. ويقول لـ”العربي الجديد” إن اعتماد أصحاب الورش على الدفع بالدولار أو الليرة التركية يضع العمال في مأزق يومي.
ويتابع: “نتقاضى أجورنا بالليرة السورية، لكن أغلب حاجياتنا من المواد الغذائية أو المواصلات تسعر في مناطقنا الأصلية في إدلب بالدولار أو التركية، ما يضطرنا إلى تبديل جزء من الراتب باستمرار عبر هذه البسطات”.
ويضيف الزعبي أن التفاوت الكبير في الأسعار يؤدي أحياناً إلى فقدان ما يعادل نصف يوم من أجره خلال عملية الصرف وحدها،
مشدداً على أن هذه الخسائر المتكررة تلتهم دخل العمال البسيط وتزيد من حالة التذمر لدى الفقراء الذين لا يملكون رفاهية الادخار أو انتظار استقرار الأسعار.
في المقابل، يوضح الخبير الاقتصادي أحمد العلي في حديث خاص مع “العربي الجديد”، أن انتشار بسطات الصرافة يمثل ظاهرة تحمل جانبين متناقضين.
وبرأيه، تكمن الإيجابية الوحيدة في أنها تسهّل حركة التداول النقدي بشكل سريع، خصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى وجود مكاتب صرافة مرخصة، ما يتيح للأهالي والتجار تلبية احتياجاتهم الفورية.
لكن العلي يرى أن السلبيات تفوق بكثير هذا الجانب المحدود من الفائدة، فغياب الرقابة يفتح الباب واسعاً أمام التلاعب بأسعار الصرف، ويزيد من حالة عدم الاستقرار النقدي في السوق. كذلك إن الاعتماد على صرافين غير نظاميين يعرّض المتعاملين لمخاطر النصب أو الحصول على أوراق مالية مزورة، وهو ما قد يفاقم الأزمات بدلاً من حلها.
ويشير العلي إلى أن استمرار هذه الممارسات ينذر بتكريس ما سماه سوقاً موازية يصعب ضبطها في المستقبل، وخصوصاً مع غياب المرجعية الرسمية الذي يحرم الدولة السيطرة على الكتلة النقدية، ويعزز من اتساع الاقتصاد غير المنظم.
ويعتبر أن هذه المعطيات ستنعكس في نهاية المطاف سلباً على الاستقرار الاقتصادي والمعيشي للسكان، حيث ستبقى الأسعار رهينة مزاج السوق السوداء.
العربي الجديد- هاديا المنصور













