من يختار مستقبلك؟.. إشكالية فرض التخصصات الدراسية على الأبناء

تُعْلِقُ الأسر في مختلف المجتمعات، ومنها المجتمع السوري، آمالًا كبيرةً على أبنائها، طامحةً أن تراهم يتبوؤون أعلى المراتب العلمية والمهنية، وهذا الحلم يدفع الآباء إلى بذل الغالي والنفيس، سواءً على المستوى المادي أو المعنوي، سعياً منهم لتوفير كل سبل النجاح لأبنائهم.
غير أن هذا الدافع الأبويّ المشروع قد يتحوّل أحياناً إلى عبءٍ نفسي واجتماعي، يثقل كاهل الأبناء بضغوطٍ تفوق قدراتهم، مما يطرح إشكالية التوازن الدقيق بين التحفيز الإيجابي والإكراه المفرط، وبين الطموح الكبير والواقع العملي.
ويتجسّد هذا الضغط بشكلٍ واضحٍ في فرض الآباء تخصصاتٍ دراسية معينة على أبنائهم، دون مراعاة لميولهم وقدراتهم، مما يحوّل مسارهم التعليمي إلى مساحةٍ من الصراع بدلاً من أن يكون مجالاً للإبداع والتحقيق الذاتي.
يتركز اهتمام الأسر السورية -في الغالب- على مجموعة محددة من التخصصات الجامعية التي تُعتبر “مرموقة” في نظرهم. ففي الفرع العلمي، يأتي الطب البشري، وطب الأسنان، والصيدلة، والهندسات بمختلف تخصصاتها على رأس قائمة التخصصات المرغوبة، بينما يُفضل الكثير من الأهالي في الفرع الأدبي تخصصات مثل الحقوق والعلوم السياسية واللغات.
ولا شك أن لكل مجال من هذه المجالات أهميته وقيمته إذا ما وجد الطالب الدافع والقدرة على استثمار فرصه بشكل صحيح، لكن المشكلة تكمن في إغفال الميول الفردية والقدرات الشخصية للطالب لصالح معايير أخرى كالوضع الاجتماعي أو الاعتبارات المادية.
لا يتردد بعض الأهالي في دفع أبنائهم إلى إعادة امتحان البكالوريا مراراً إذا لم يحققوا العلامات المطلوبة للتخصص المرغوب، أو حتى إجبارهم على الالتحاق بفرع دراسي لا يتوافق مع قدراتهم وميولهم. وقد يكون لهذا القسر التربوي تداعيات سلبية بعيدة المدى على مسيرة الطالب التعليمية والمهنية.
وفي هذا الصدد، يروي أحد الشباب تجربته المريرة: “حلم والدي أن أصبح مهندساً جعلني أسير في طريق لم أكن مؤهلاً له. على الرغم من ميولي الواضحة للفرع الأدبي، اضطررت لدراسة المواد العلمية تحت ضغط الأسرة. واجهت صعوبات جمة في الرياضيات والفيزياء، كانت بمثابة كابوس يومي. نجحت بصعوبة في الامتحان، لكن علاماتي لم تكن كافية لدخول الهندسة”.
يضيف الشاب بحسرة: “أصرّ والدي على إعادة البكالوريا مرة ثانية، وحوّل حياتي إلى جحيم لا يُطاق. منعني من مغادرة غرفتي إلا للضرورة، وامتلأ وقتي بدروس خصوصية متعاقبة دون راحة أو تنفيس. كنت أدرس كالآلة، أيامي كلها مراجعة وحفظ، لكن كل هذا الجهد لم يُجدِ نفعاً – فلم أحقق المعدل المطلوب للهندسة في النهاية.”
يضطر بعض الطلاب لدراسة تخصصات لا تتناسب مع ميولهم وقدراتهم، مما قد يقودهم إلى التخلي عن الدراسة الجامعية بعد تعثر متكرر أو فقدان الرغبة في الاستمرار. وفي هذا السياق، يوصي التربويون بضرورة أن يولي الآباء اهتماماً أكبر لميول أبنائهم وطموحاتهم، مع أهمية إجراء مناقشات مفتوحة بين الطلاب وأسرهم قبل اختيار التخصص. فالقرار الدراسي يجب أن يكون نتاجاً لاقتناع الطالب نفسه، لا مجرد استجابة لرغبات الأسرة أو توقعاتها.
يجب أن يكون اختيار التخصص الدراسي نتاج توافق بين ميول الطالب وقدراته من جهة، وتوجيه الأسرة واحتياجات المجتمع من جهة أخرى. فالتعليم الناجح لا يُبنى على الإجبار، بل على التفاهم والدعم المشترك. وعندما نحترم اختلاف المواهب والرغبات، نضمن مستقبلاً أكثر إشراقاً للأفراد والمجتمع.
الثورة – سيرين المصطفى