
مدينة سراقب التي كانت يوماً وما زالت ملتقى الطرق التجارية وواحدة من المدن السورية المهمة والمقاومة يحاول أهلها، التعافي بمدينتهم مما أصابها جراء الحرب التي شنها النظام البائد على مدى الــ 14 سنة الفائتة، فقد ظلت هذه المدينة لأعوام صامدة ضد السياسة القمعية للنظام البائد.
صور مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي وأثار الدمار واضحة على منازلها المدمرة والتي يحاول أهلها اليوم بعد عودتهم من النزوح إعادة ترميمها وجعلها كما كانت لائقة بتاريخ مدينتهم ومكانتها الاستراتيجية لإيمانهم أن البلاد لا تنهض إلا بسواعد أهلها.
جولة وسط الدمار
خلال الجولة “الحرية” في مدينة سراقب سألت صديق لي محمود بصبوص عن العائلات العائدة وظروف عودتهم لمنزلهم في أحياء مدينة سراقب، دمعت عيناه وقال “عادوا لبيوت مهدمة وخدمات معدومة”، في حين أم أحمد المتشحة بالسواد، سيدة في الأربعين من عمرها وأم لسبعة أطفال، عادت إلى ما تبقى من منزلها في الحي الجنوبي لقد سئمت من النزوح والتهجير.
وبينما تشهد سراقب عودة الكثير من العائلات المهجرة، وسط أجواء من الإحباط بسبب تأخر إعادة الإعمار، ونتيجة لضراوة المعارك التي كان يشنها النظام البائد، اختفت الكثير من معالم سراقب، وتعرضت للتجريف، كما هي حال العديد من المواقع الأخرى والمنازل، وتحول بعضها إلى ركام.
رفع الأنقاض
ولئن عادت الحياة خجولة إلى طبيعتها في بعض الأحياء كالجزء الشرقي من سراقب، فإن الدمار لا يزال ماثلاً في جميع الاحياء. ومنذ عملية تحريرها، بدأ المجتمع المحلي هناك وبجهود فردية متواضعة عملية رفع الأنقاض بمشاركة متطوعين.
ويشير رئيس كتلة سراقب محمود العثمان، إلى أن سراقب تعاني اليوم من ضعف الإمكانيات لترحيل الأنقاض والركام، فالمدينة تحتاج إلى الكثير من الخدمات الأساسية، واقترح عثمان توجيه المنظمات الدولية المختصة بإعادة الإعمار والترميم وترحيل الأنقاض والركام، وإقامة مشاريع صغيرة لدعم الأسر الأشد احتياجاً وتوجيه فرق لقاح الجوالة للمنطقة.
ولفت في تصريح لــ “الحرية” أن الجهات المعنية قدمت ميزانيات للعمل ولكن لم تأت الموافقة على ذلك حتى الآن، وقال نسبة الدمار في مدينة سراقب تقدر بــ 50% وفيما تبقى معظم المنازل تم تعفيشها بالكامل (نوافذ ـ سيراميك ـ التمديدات الكهربائية ـ المطابخ بالكامل).
وأوضح عثمان تم إحداث نقطة طبية بدعم من منظمة صلة ويتم العمل حالياً على تجهيز مخبز آلي مدعوم من منظمة تركية وسيتم تفعيله في القريب العاجل بالإضافة إلى تفعيل النظافة من قبل منظمة كلينر.
توفير الخدمات
وأشار عثمان إلى أن جل العائلات العائدة إلى مدينة سراقب تتلخص طلباتها في ترميم المنازل القابلة للترميم وإعمار المنازل المدمرة وتوفير مياه الشرب والخبز والخدمات الأساسية، مشيراً إلى أن أغلب العوائل في سراقب تعتمد على الزراعة بشكل أساسي، ولأن هذا العام كان عام جفاف نتمنى تعويض كل المزارعين في المنطقة واعتبارها منطقة منكوبة.
منوهاً بأن منظمة عطاء للإغاثة الإنسانية وخلال زيارة مدينة سراقب وبقصد إطلاق عجلة التعافي وإعادة الإعمار في المدينة اعتمدت تشغيل ثلاث محطات لمياه الشرب ومحطة للصرف الصحي في سراقب والعمل سوف يباشر خلال الأيام القادمة، وبالنسبة لموضوع الكهرباء العمل يسير بوتائر عالية ليصل التيار لكل مدينة سراقب.
شعور بالرضا
تعكس عودة الأهالي إلى منازلهم في سراقب شعوراً عميقاً بالرضا والامتنان، وفقاً لـمسؤول كتلة سراقب محمد عثمان، بالنسبة إلى الكثيرين، تمثل هذه المنازل جزءاً من تاريخهم وهويتهم، وقد حافظوا على أمل العودة إليها رغم الظروف الصعبة. وقال إن تحقيق هذا الهدف كان بمثابة إنجاز كبير للثورة، وتابع بالقول: أن هناك مساعي من قبل الجهات الحكومية كافة لتوفير الخدمات اللازمة، ولعلها مسألة وقت ليس أكثر وستكون الأمور أفضل مما كانت عليه بكثير، وهذا ما نحرص عليه على امتداد الجغرافيا السورية.
بحاجة لخطوات سريعة
اليأس يتملك أغلب سكان سراقب، ولاسيما العائلات التي لا تزال تعيش في مناطق النزوح والتهجير، وتشتكي من غياب أي متابعة رسمية لهذا الملف، قائلين: “ما حك جلدك مثل ظفرك” ويشير البعض بإصبع الاتهام إلى التلكؤ الحاصل في ملف عملية إعادة الإعمار.
يقول الرئيس السابق لمجلس مدينة سراقب أسامة الحسين، أن المدينة تعاني الكثير من التعقيدات المربكة، فهناك أحياء كاملة مدمرة بحاجة إلى ترميم جماعي بالإضافة إلى المشكلات العقارية، فهناك 70% من عقارات المدينة بنيت على الشيوع من دون إفراز أو أنها مباعة وغير منقولة، هذا أجل عمليات الترخيص بالإضافة إلى عدم وجود شبكة صرف صحي والتأخر في ترميمها.
وطالب الحسين في تصريح لــ ” الحرية ” باهتمام حكومي أكبر وتشكيل لجان فنية مختصة وزيادة تسليط الضوء على الواقع الحقيقي للمدينة ومناشدة الجهات الحكومية والمنظمات الدولية لإجراء خطوات سريعة بشرط أن تكون تلك الجهود جماعية وغير فردية فكل ما يتم حالياً على ارض الواقع عبارة عن جهود فردية ليس أكثر، وشدد على أهالي مدينة سراقب بضرورة الوقوف إلى جانب بعضهم البعض ونبذ كل الخلافات القديمة البالية بهدف العبور بالبلد إلى بر الأمان، والقيام بفعاليات كبيرة من شأنها لفت الأنظار إلى المدينة وما تعانيه.