
تتجه العلاقات التجارية بين تركيا وسورية نحو ملامح التكامل الاقتصادي، كما طمح وزير التجارة التركي، عمر بولاط، في إبريل/نيسان الماضي خلال أول زيارة له إلى دمشق بعد سقوط نظام الأسد، لتعود العلاقات إلى مستوى يتجاوز ذروة التبادل والتسهيلات وإلغاء التأشيرة كما كان الحال عام 2010.
وتنامت العلاقات خلال زيارة الوزير التركي الثانية إلى دمشق، واستقباله من قبل وزير الاقتصاد والصناعة السوري، محمد نضال الشعار، الشهر الماضي، حيث تم توقيع 14 بروتوكول تعاون في مجالات متعددة شملت الصناعة والطاقة والنقل والتحول الرقمي.
كما تضمنت الاتفاقات دراسة سبل دعم البنية التحتية للمناطق الصناعية في سورية بالاستفادة من الخبرات التركية، إلى جانب بروتوكول خاص بتأسيس لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة بين البلدين، واتفاق على افتتاح مركز تقني جديد في سورية بالتعاون مع مؤسسة “ميكست”، بهدف نقل تجربة التحول الرقمي الصناعي وتطوير القدرات الإنتاجية ورفع الكفاءة.
وزاد حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري على 1.9 مليار دولار، وفق موقع المجلس الأطلسي الأميركي، لتتجاوز قيمة التجارة مستويات ما قبل الثورة السورية عام 2011 حين لم تزد عن 1.7 مليار دولار، قبل أن تتراجع خلال العقد الماضي حتى بلغت حدوداً شبه صفرية مع المناطق التي كان يسيطر عليها نظام بشار الأسد.
وفي السياق، يصف التاجر محمد فؤاد، من محافظة إدلب شمال غرب سورية لـ”العربي الجديد”، حركة التجارة اليوم بأنها شبه متواصلة باتجاه واحد من تركيا، خاصة ما يتعلق بمستلزمات البناء والمواد الغذائية، مع تزايد عمليات إعادة البناء والترميم بعد بدء عودة النازحين من المخيمات واللاجئين من تركيا.
وبحسب وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا، عاد نحو 509 آلاف و387 سورياً من تركيا منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي حتى يوم أمس، ليرتفع إجمالي عدد العائدين منذ عام 2016 إلى نحو مليون و249 ألفاً و390 شخصاً، وفق تدوينة على منصة “إن سوسيال” التركية.
ويضيف فؤاد أن الرسوم الجمركية، ورغم تعديلها، ما زالت تسمح بدخول البضائع التركية بأسعار رخيصة وجودة مرتفعة، ما يجعلها المسيطرة على السوق السورية، وخاصة في قطاع البناء والمفروشات والأدوات الكهربائية. كما يشير إلى أن الشركات والمكاتب التجارية في ريف إدلب الغربي (سرمدا والدانا) تمد معظم احتياجات الشمال السوري المدمّر.
في المقابل، يتوقع رجل الأعمال السوري محروس الخطيب لـ”العربي الجديد”، أن تتجاوز قيمة التبادل التجاري بين سورية وتركيا بنهاية تموز/يوليو الماضي سقف 1.9 مليار دولار، مع إمكانية وصولها إلى أكثر من 3 مليارات دولار بنهاية العام.
ويوضح الخطيب أن الواردات السورية من تركيا لم تعد تقتصر على مواد البناء، بل شملت الألبسة والأقمشة ومعدات السيارات وخطوط الإنتاج الصناعية، فيما تقتصر الصادرات السورية إلى تركيا على المنتجات الزراعية مثل القطن والخضر والفواكه وزيت الزيتون.
ويؤكد الخطيب أن تجارة العبور “الترانزيت” هي الأكثر أهمية، باعتبار سورية المنفذ البري شبه الوحيد للبضائع التركية المتجهة إلى المنطقة العربية ودول الخليج، متوقعاً زيادة تنامي هذا القطاع بعد استكمال البنى التحتية والخدمات، وهو ما قد يتيح لسورية الاستفادة من العبور بطرق متعددة وبناء صناعة خدمات تحقق عائدات كبيرة.
ويشير مراقبون إلى أن تطور العلاقات السياسية بين أنقرة ودمشق انعكس مباشرة على القرارات الحكومية التركية لدعم قطاعات سورية عدة، مثل النقل والطاقة، وإرسال فرق لتدريب الكوادر السورية أو تشغيل منشآت حيوية، كما حدث في مطار دمشق الدولي والموانئ وخط أنابيب الغاز “كيلس–حلب”، إضافة إلى تطوير المعابر الحدودية مثل باب السلامة وباب الهوى.
أما الخبير التركي باكير أتاجان فيقول إن بلاده لا تنظر إلى السوق السورية “بعين الربح” بقدر ما تسعى إلى المساهمة في استعادة الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات، معتبراً أن عودة الحياة الطبيعية في سورية واقتصادها القوي “رهان تركي وقرار محسوم”.
ويضيف أتاجان أن الشركات التركية الخاصة والقطاع الحكومي قادران على تسريع عملية إعادة الإعمار في سورية لما يمتلكان من خبرات واسعة ومكانة تنافسية عالمياً.
وأضاف أن من مصلحة تركيا تسهيل قدوم الاستثمارات الأوروبية إلى سورية ولو عبر التعهد بالتنفيذ أو الإشراف، مع الاستمرار في طي صفحة العقوبات وجذب الأموال لبلد مدمّر لكنه واعد، والعائد فيه مضمون وكبير.
وحول التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الجاري، يتوقع أتاجان أن تتعدى قيمته 3.5 مليارات دولار، مع استمرار التصاعد بحسب وتيرة إعادة الإعمار وترميم المنشآت وتأسيس الاستثمارات.
يُذكر أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ عام 2010، وفق وزير التجارة التركي، نحو 2.5 مليار دولار، منها 1.84 مليار دولار صادرات تركية، مقابل واردات سورية بقيمة 660 مليون دولار.
إلا أن هذه الأرقام تراجعت بعد اندلاع الثورة السورية وقطع نظام الأسد المخلوع العلاقات مع تركيا، بل وتجريم التبادل بقرار من السطة آنذاك.
في المقابل، استمر التبادل مع المناطق المحررة، حيث تراوحت قيمته بين 2.5 و3 مليارات دولار، ليصل عام 2024 إلى نحو 2.538 مليار دولار (2.2 مليار دولار صادرات تركية، وواردات سورية بنحو 438 مليون دولار).
وكانت تركيا وسورية ترتبطان باتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2007، لكنها علّقت بعد اندلاع الثورة عام 2011. غير أن مراقبين يتوقعون استعادة العمل بالاتفاقية وتطويرها لتعزيز التجارة والاستثمار بما يخدم مصلحة البلدين.
العربي الجديد- عدنان عبد الرزاق















