محليات

رفع الأسعار يُغضب السوريين.. الفقراء ملاحَقون حتى في الإنترنت!

رفع أسعار الإنترنت في سوريا يشعل غضباً شعبياً واسعاً، وسط تدهور معيشي حاد واتهامات بالاحتكار وغياب الشفافية وتجاهل دخل المواطن المنهار.

أحدثَ قرار رفع أسعار باقات الإنترنت والاتصالات في سوريا، موجة واسعة من الغضب الشعبي، خصوصاً أنه أتى بعد أيام فقط من رفع أسعار الكهرباء، وهو ما ضاعف مخاوف المواطنين الذين يعيشون أصلاً تحت وطأة ظروف اقتصادية شديدة القسوة.

ذلك أن الزيادة الأخيرة في الرواتب بنسبة 200 في المئة، لم تكن كافية لتغطية الارتفاع المتتالي في فواتير الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء والاتصالات، الخدمتان اللتان دائماً ما ارتبطتا بسوء الجودة وارتفاع الأسعار وغياب الشفافية.

ورغم أن رفع الأسعار بذاته لم يكن مفاجئاً، خصوصاً مع التمهيد الحكومي المتكرّر لسياسات تعتمد ما تسمّيه الحكومة «اقتصاد السوق الحرّ»، إلّا أن الصدمة جاءت من توقيت القرار، ومستوى الزيادة التي وصفتها شرائح واسعة من السوريين بأنها «صفعة قاسية» للمستهلك، في وقت باتت فيه غالبية الأسر تعيش تحت خطّ الفقر.

فالباقات الجديدة أصبحت أعلى سعراً بكثير ممّا يطيقه المواطن ذو الدخل المحدود، لا بل هي تحتاج، وفقاً لبعض التقديرات، إلى دخل شهري يتجاوز خمسة ملايين ليرة كي يتمكّن الفرد من تأمين الحدّ الأدنى من حاجته الرقمية، وهذا رقم غير متاح لمعظم السوريين الذين لا يتجاوز متوسّط رواتبهم مليون ليرة.

واللافت أن شركات الاتصالات لجأت، قبل إعلان الأسعار الجديدة، إلى خطوات أكثر قسوة، من أبرزها إلغاء الباقات الشعبية و«باقات الساعات»، التي كانت تشكل خياراً اقتصادياً مقبولاً لشريحة واسعة من المستخدمين، ما دفعهم قسراً إلى شراء باقات أغلى ثمناً لا تتوافق مع احتياجاتهم ولا مع قدراتهم المالية.

وفي المقابل، لم يسجَّل أيّ تطوير فعلي لجودة الخدمة، التي ما تزال تعاني من انقطاعات، وضعف السرعة، ومشكلات تغطية مزمنة.

وحمل هذا الواقع الكثيرين على إطلاق دعوات إلى المقاطعة تحت عناوين مختلفة، أبرزها «لا لسيريتل» و«إلغاء خطوط MTN»، وذلك في محاولة للضغط على الشركات كي تتراجع عن خطواتها،

خصوصاً أن بياناتها المالية في الأشهر الستة الأولى من العام، تشير إلى تحقيق أرباح ضخمة لا تتوافق مع خطابها حول ارتفاع تكاليف التشغيل.

غضب عام… وصوت المستهلك غائب

تقول الصحافية وسيمة في حديثها إلى «الأخبار»: «نحن، كصحافيين، مضطرون إلى استخدام الإنترنت بشكل مستمر، بينما المؤسسات الإعلامية لا توفر لنا بدلات اتصالات، ما يجبرنا على الدفع من رواتبنا المتواضعة.

كنّا نحاول التكيف سابقاً عبر باقات الصحافيين التي كانت مقبولة نسبياً، لكن بعد القرار الجديد تضاعفت أسعار هذه الباقات بشكل جنوني. أصبحنا عاجزين عن تغطية تكاليف الإنترنت والكهرباء والمواصلات والمعيشة، حتى بعد زيادة الرواتب الأخيرة التي بالكاد تكفي نصف الاحتياجات.

القرار مجحف بحق الجميع، وخاصة الصحافيين والطلبة وذوي الدخل المحدود». وبالفعل، يبدو الطلاب الجامعيون الفئة الأكثر تأثّراً، إذ يعتمد كثيرون منهم على الاتصال الدائم بالإنترنت للدارسة والتواصل مع عائلاتهم، خاصة أولئك المنتقلين من محافظاتهم للدراسة.

ويقول وائل، وهو طالب هندسة طاقة، في هذا الإطار: «أعمل في العطل في تدريس الأطفال لأساعد عائلتي في تكاليف دراستي والمواصلات التي أصبحت مرهقة جداً. عائلتي بالكاد تؤمن احتياجاتها اليومية، فكيف سأتحمل أسعار الباقات الجديدة؟ لا أستطيع الاستغناء عن الإنترنت بسبب الدراسة والتواصل اليومي مع أهلي القلقين من وضع البلاد الأمني. لكن الأسعار أصبحت فوق قدرة أيّ طالب من أسرة فقيرة. لذلك أطالب بحملة مقاطعة واسعة لإجبار الشركات على التراجع».

وفي الاتجاه نفسه، يشير محمد، الرجل الخمسيني الذي يعمل في إحدى الأسواق، إلى «(أننا) غير قادرين على تأمين سعر ربطة الخبز، فكيف سندفع لشركات الاتصالات؟ يبدو أنهم يعيشون في برج عاجي لا يرون منه حال الناس.

الأسرة تحتاج اليوم إلى أربعة ملايين ليرة لتأمين الأساسيات، بينما الراتب مليون فقط. بعد رفع الكهرباء والاتصالات، أطلقوا رصاصة الرحمة على جيوب السوريين».

خلل قانوني وسياسات شبه كارثية

هذا الاستياء الشعبي وجد صداه لدى عدد من الخبراء الاقتصاديين، ومنهم عامر شهدا، الذي انتقد بشدة بيان وزارة الاتصالات الذي تبرّأت فيه من مسؤوليتها عن القرار.

ويقول شهدا لـ«الأخبار»: «رفع أسعار الاتصالات قرار خاطئ، وسيترك آثاراً سلبية واسعة. هناك خلل قانوني واضح، فالقوانين الناظمة، مثل القانون 18 لعام 2010 والقانون 30 لعام 2024، تلزم الشركات بالرجوع إلى الهيئة الناظمة للاتصالات قبل أيّ تسعير. وفي حال لم تفعل، يجب فرض عقوبات عليها لأنها خالفت القانون».

ويلفت شهدا إلى أن «الوزارة برّرت الزيادة بأنها تهدف إلى تحسين جودة الخدمة وإدخال تقنيات جديدة، وهذا اعتراف رسمي بأن الخدمة الحالية رديئة. لكن إذا كانت الخدمة منخفضة الجودة، يُفترض تطبيق القانون 30 ومحاسبة الشركات. أما إذا كانت الزيادة مبرَّرة بتكاليف الكهرباء والتجهيزات وربط الأسعار بالدولار لجذب شركات جديدة، فهذا يتناقض تماماً مع واقع دخل المواطن الذي يتقاضى راتبه بالليرة».

ويتابع شهدا موضحاً خطورة الفجوة بين الدخل والتسعير، أنه «في معظم دول العالم تُحدَّد فواتير الكهرباء والاتصالات بما يتناسب مع الدخل. أما اليوم، فقد ارتفعت الكهرباء 52% والاتصالات 35%، وبقي للمواطن 13% فقط من راتبه للمعيشة! هذا غير منطقي وغير اقتصادي.

نحن أمام خيارين: إما أن الجهات المسؤولة غير مطّلعة على القوانين، أو أنها تجاهلت دخل المواطن بالكامل. وفي الحالتين هناك خلل كبير».

كما يحذر شهدا من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى «كارثة اقتصادية»، مبيّناً أن «جذب الاستثمار الأجنبي يتطلّب قدرة شرائية محلية كافية، وهو ما يتناقض مع اتخاذ قرارات تستهلك معظم دخل المواطن في فواتير الخدمات الأساسية»،

مضيفاً أنه «لا يمكن بناء اقتصاد سليم إذا كان المواطن يدفع معظم دخله للكهرباء والاتصالات. هذا سيؤدي إلى تراجع الطلب المحلي، وهروب المستثمرين، وزيادة الغضب الشعبي».

الأخبار- رحاب الإبراهيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى