سياسةأخبار

رحيل عبد الرؤوف الكسم.. رئيس «حكومات التقشف» السورية بالثمانينات

فتح نبأ وفاة رئيس الوزراء السوري الأسبق عبد الرؤوف الكسم أبواب الذاكرة السورية على واحدة من أحلك المراحل التي عاشتها سوريا في تاريخها المعاصر، على مستويات عدة معيشية اقتصادية وسياسية أمنية،

إذ اقترن اسم الكسم الذي تسلم رئاسة الوزراء لثلاث مرات من عام 1980 إلى 1987، بسياسة التقشف والاكتفاء الذاتي في مواجهة التداعيات الخطيرة لقرار الرئيس حافظ الأسد الوقوف إلى جانب إيران في حربها مع العراق، وذلك بالتزامن مع إعلان نظام «البعث» حملة للقضاء على «جماعة الإخوان المسلمين» والمعارضين لنظام «البعث».

عن عمر ناهز 93 عاماً، رحل واحدٌ من أبرز رموز نظام حافظ الأسد في مدينة ميونيخ بألمانيا، ليل الأحد الاثنين، الذي لعب دوراً رئيسياً في إدارة الاقتصاد السوري في مرحلة عصيبة على الصعيدين المحلي والإقليمي، عندما اتخذ حافظ الأسد قراره الخطير بالوقوف إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، عام 1980، الذي أدى إلى قطع المساعدات المالية الخليجية.

ومع المخاوف من بدء أزمة اقتصادية، تم تكليف الدمشقي عبد الرؤوف الكسم، ابن مفتي الديار الشامية (1918 – 1938) الشيخ عطاء الله الكسم، بتشكيل وزارة جديدة خلفاً لحكومة محمد علي الحلبي، مهمتها احتواء الأزمات الطارئة.

يذكر السوريون أن الكسم الذي كان محسوباً على شقيق الرئيس وقائد «سرايا الدفاع» رفعت الأسد، اتبع سياسة تصريف منتجات المؤسسات العامة المكدسة في المخازن بسبب ضعف الجودة والفساد، مع رفع أسعار السلع بنسب 100 في المائة وبعض المواد وصلت إلى أكثر من 400 في المائة، مثل مواد البناء، وذلك مقابل زيادة الرواتب بنسبة 25 في المائة فقط.

وجاءت تلك القرارات مترافقةً مع وقف استيراد الكثير من المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية، التي فقدت من الأسواق، منها الفواكه والخضار والصمون والزيوت والمناديل الورقية، والشاي والسكر.. إلخ من مواد تم احتكار بيعها في منافذ المؤسسات الاستهلاكية الحكومية.

وراح السوريون يمضون الساعات الطويلة وقوفاً في الطوابير للحصول على حبة ليمون أو طماطم، والميسورون يحصلون على الموز والمناديل الورقية من أسواق التهريب بأسعار باهظة، وفق ما رواه المهندس بلال الحلبي (60 عاماً) من ذكرياته لـ«الشرق الأوسط».

يقول الحلبي إن السوريين في تلك الفترة كانوا يتداولون نكات عن سياسة الكسم التي «نشفت كل شيء في البلد» لتحقيق هدف «الاكتفاء الذاتي». إلا أن نزار قصرين (73) الموظف المتقاعد والبعثي السابق يرجح أن أجهزة مخابرات نظام الأسد كانت تطلق تلك النكات السياسية ويتداولها الناس همساً خشية الاعتقال.

وحسب قصرين، كانت النكات لعبة أمنية شائعة تهدف إلى تحميل رئيس الوزراء المسؤولية كاملة عن القرارات المجحفة، التي تنطوي على فساد وأيضاً على التردي المعيشي،

يضيف: «الكسم كانت مهمته منع الاقتصاد من الانهيار كأحد تداعيات قطع المساعدات وغرق نظام الأسد في وحول الحرب اللبنانية آنذاك، والانخراط في القضاء على جماعة (الإخوان المسلمين) والمعارضين، وارتكاب سلسلة مجازر مروعة في حماة وحلب وجسر الشغور وبانياس، وغيرها».

ورغم ذلك تم تحميل المسؤولية كاملة لعبد الرؤوف الكسم، حتى أن وزير الدفاع مصطفى طلاس قال إنه «وجهه شؤوم على الاقتصاد السوري».

يضيف قصرين: «من الغريب أن أحداً في النظام لم ينصف هذا الرجل رغم ما قدمه من خدمات»، مشيراً إلى ما يقال عن أن اختيار الكسم لرئاسة الحكومة في تلك الفترة كان بتزكية من رفعت الأسد، وللتغطية على فساده.

ولكن على الأرجح اختيار حافظ الأسد للكسم استند إلى أنه ابن مفتي الديار الشامية، حيث دأب الأسد الأب على تزيين واجهة حكمه بشخصيات دمشقية سليلة عائلات مرموقة ليدعم موقفه في مواجهة الإسلاميين وجماعة «الإخوان المسلمين»، حسب قصرين.

درس عبد الرؤوف الكسم، المولود عام 1932، الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق عام 1953، ثم الهندسة في جامعة إسطنبول، بعدها سافر إلى جنيف وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الهندسة المعمارية عام 1963، كما انتسب في وقت مبكر إلى صفوف «حزب البعث»، وكان من الشخصيات البعثية الدمشقية.

أسس مكتباً هندسياً عام 1965، ومن المشاريع التي عمل عليها كلية الفنون الجميلة في دمشق، بالتعاون مع المعماري الإيطالي أماثي كوكيا، بإشراف الفنان محمود حماد.

كما عمل الكسم في التدريس بقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، وترأسه بين الأعوام 1964 – 1970، وينسب له قرار فصل كامل طلاب قسم الفنون الجميلة لامتناعهم عن حضور إحدى المحاضرات لأسباب احتجاجية.

ترأس الكسم في الأعوام 1970 و1977 قسم العمارة في كلية الهندسة المدنية عندما نقل القسم إلى الهندسة المدنية.

ثم عُيّن محافظاً لدمشق، ليشغل بعدها منصب رئيس مجلس الوزراء، حيث شكل ثلاث حكومات، وبعد إقالته من رئاسة الوزراء 1987، عين رئيساً لمكتب الأمن القومي لغاية عام 2000.

بعدها توارى عن الأنظار، ولم يصدر عنه أي تعليق بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، وظل ملتزماً الصمت طوال السنوات الماضية.

ومع إعلان نبأ رحيله، استيقظت ذاكرة الشح والتقشف بين السوريين، وشهدت مواقع التواصل عاصفة تعليقات استحضرت ذكرى واحدة من أحلك الفترات التي عانت منها البلاد.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى