
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهد دير مار موسى الحبشي بريف دمشق نقطة تحول جذرية، إذ تراجع عدد زواره من نحو 30 ألف زائر في عام 2010 إلى الصفر تقريباً،
ولم تقتصر التحديات آنذاك على العزلة فحسب، بل ازدادت خطورتها مع اقتراب جبهات الاشتباك، ولا سيما بعد سيطرة تنظيم “داعش” على ريف حمص الشرقي المجاور بين عامي 2015 و2017، لينتقل اليوم إلى مرحلة السلام وعودة فتح أبوابه لجميع الزوار.
الأب جهاد يوسف، رئيس الدير، استعاد خلال حديثه لـ سانا ذكريات تلك المرحلة العصيبة، قائلاً: “كنا نعيش قلقاً دائماً، نخشى الخطف أو القتل في أي لحظة، وخصوصاً بعد وصول تنظيم داعش إلى بلدة القريتين بريف حمص، وخطف عدد من المسيحيين منها عام 2015″،
مضيفاً: “اختبرنا الخوف بكل أشكاله، إلى جانب العزلة التي منعت الناس من الوصول إلينا”.
ملاذ للثوار والملاحقين أيام النظام البائد
على الرغم من المخاطر التي كانت محدقة بالدير، تحول من محاولة الحفاظ على بقائه وثباته إلى المشاركة الفعالة إنسانياً، فأصبح ملاذاً للباحثين عن الأمان،
حيث يوثّق الأب يوسف استقبال الدير نحو 10 أفراد من نشطاء وثوار وملاحقين سياسياً في عهد النظام البائد، معظمهم من النبك.
ويستذكر الأب يوسف قصصاً قديمةً مرت عند محاولة الدير تقديم الدعم الإنساني لبعض الثوار الذين لجؤوا إلى الجبال المجاورة،
ويروي أن من بين من لجؤوا إلى الدير، الناشط محمود الفرم من مدينة النبك، الذي كان في الرابعة عشرة من عمره عندما احتمى بالدير لمدة شهر كامل، بعد تعرضه ووالدته للاعتقال،
لتتم ملاحقته مجدداً من قبل سلطة النظام البائد، حيث وفر الدير الحماية له، واليوم يعود محمود ليستعيد ذكريات المكان الذي أنقذ طفولته، ويشكر من قدموا له الغذاء والمأوى.
دير مار موسى… تراث للعالم أجمع
“دير مار موسى ليس تراثاً لسوريا فقط بل للعالم أجمع”، بهذه العبارة اختتم الأب جهاد يوسف حديثه، مؤكداً ضرورة الحفاظ على هذه المكانة للدير ومنطقته لأنها مركزاً للسلام والحوار ونموذجاً للتآخي الإنساني.
ويقع دير مار موسى الحبشي، المعروف بأنه ملتقى للحوار الإسلامي المسيحي، على صخور وادٍ في سلسلة جبال القلمون الشرقية بريف دمشق، حيث بُني منذ أكثر من 1800 عام، في عهد الرومان،
وشُيِّد آنذاك كبرج لمراقبة طريق الحرير الواصل بين تدمر والشام، ليتحول بعدها إلى دير رهباني وتراث ثقافي.













