حلب تواصل خطواتها على طريق التعافي والتنمية

وسط تحديات لاتزال تلقي بظلالها الثقيلة على حياة السكان، تخطو مدينة حلب خطواتها الأولى على طريق التعافي، بالشراكة بين الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية.
ففي الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 35 ألف مبنى سكني في المدينة تعرض لأضرار جسيمة، ولايزال الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم يشكل تحدياً يومياً للآلاف،
بدأت مؤشرات التعافي تلوح في الأفق، مع انطلاق سلسلة من الاجتماعات التنسيقية بين محافظة حلب ومنظمات تنموية بارزة، في مقدمتها منظمة التنمية السورية، وشبكة “الآغا خان”، ومنظمة “يداً بيد” للإغاثة والتنمية.
خارطة طريق واضحة
وخلال ترؤسه اجتماعاً موسعاً، ضم ممثلين عن الجهات الحكومية وعدداً من المنظمات الفاعلة، مدير عام منظمة التنمية السورية فاروق بطحيش، والممثل المقيم لشبكة “الآغا خان” غطفان عجوب، إلى جانب مسؤولي مجلس المدينة ومديري السياحة والآثار والأوقاف،
أكد محافظ حلب المهندس عزام الغريب على ضرورة وضع خطط التدخل العاجل والمشاريع المستقبلية، مبيناً أن الاجتماع جاء تتويجاً لجهود تنسيقية بدأت منذ أشهر، وهدفه الأساسي هو صياغة خارطة طريق واضحة للمشاريع التنموية، تقوم على تلبية الحاجات الملحة للسكان، وتعزيز قدرات المجتمع المحلي على تجاوز آثار الحرب.
وشدد محافظ حلب على أن المدينة بحاجة إلى تدخلات متكاملة، تتجاوز الحلول الجزئية، مشيداً بالجهود التي تبذلها المنظمات التنموية.
وأكد استعداد المحافظة الكامل لتوفير كل التسهيلات الممكنة لتنفيذ هذه المشاريع، مضيفاً: إن التنمية ليست مهمة الحكومة فقط، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب شراكة حقيقية بين كل الأطراف.
أولوية خاصة
من جهته، شدد ممثل شبكة “الآغا خان” على أن حلب تحظى بأولوية خاصة في برامج المؤسسة، التي تسعى إلى تنفيذ مشاريع تنموية ذات بعد وطني،
لافتاً إلى أن الحفاظ على الطابع التاريخي والمعماري للمدينة هو من صلب أهداف الشبكة، التي تركز أيضاً على تعزيز قدرات المجتمعات المحلية وتعميق الشعور بالانتماء من خلال مبادرات تحفظ التراث وتوفر فرص عمل مستدامة.
وخلال الاجتماع، قدمت الجهات المحلية رؤيتها التنموية، والتي شملت محاور عدة، أبرزها تحسين أوضاع المخيمات من خلال مشاريع تحفظ كرامة القاطنين فيها وتوفير بيئة معيشية لائقة،
إضافة إلى إعادة إحياء الأسواق التقليدية عبر ترميم البنى التحتية، وتأهيل المرافق التجارية والخدمية.كما تم التأكيد على أهمية دعم القطاع الزراعي في الريف، من خلال حماية الجمعيات الفلاحية، ودعم صغار المنتجين لضمان الأمن الغذائي وتحسين مستوى المعيشة.
مشاريع خدمية عاجلة
بدورها، أعلنت منظمة التنمية السورية استعدادها للبدء بتنفيذ مشاريع خدمية عاجلة، تشمل رفع الأنقاض وتأهيل شبكات المياه والصرف الصحي، ولاسيما في الأحياء الشرقية التي شهدت دماراً واسعاً.
وتأتي هذه الخطوة في إطار تحسين الظروف الحياتية اليومية، إذ يُعتبر توفر المياه النظيفة والصرف الصحي السليم من أبرز مقومات العودة الآمنة للسكان.
وفي سياق متصل، طرحت مديرية السياحة مقترحات عدة لإعادة الاعتبار للمواقع الأثرية والأسواق القديمة في المدينة، من خلال ترميم الخانات وقلعة حلب، وتدعيمها بوسائل حماية متطورة، إضافة إلى إدخال خدمات ذكية مثل الإرشاد الإلكترون.
كما تضمنت الخطة إنشاء فنادق صغيرة قرب المواقع الأثرية في ريف حلب لتنشيط السياحة الداخلية والخارجية، إلى جانب إطلاق دورات تدريبية لإحياء الحرف التقليدية كصناعة النسيج اليدوي، والنحاسيات، والخزف.
كما اقترحت مديرية الأوقاف ترميم المدارس الشرعية التاريخية، مثل مدرسة الخسروفية، بهدف الحفاظ على دورها التعليمي والديني وضمان استمراريتها كمؤسسات ذات طابع حضاري وثقافي.
دعم مباشر
وفي اجتماع منفصل، بحث محافظ حلب مع وفد من منظمة “يداً بيد” للإغاثة والتنمية، سبل التعاون في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة، وناقش معهم آليات دعم المراكز الصحية في المناطق الشعبية، وتأهيل المدارس المتضررة، وتوفير المستلزمات التعليمية الأساسية، بما يعزز من استقرار العملية التربوية ويعيد الأمل للأطفال بمستقبل أفضل.
وتدل اللقاءات الأخيرة في حلب على أن التعافي أصبح مساراً عملياً، يتشكل يوماً بعد يوم، في ظل قناعة راسخة بأن النهوض بالمدينة لن يتم إلا من خلال عمل جماعي وتنسيق عالٍ بين الدولة والمنظمات والمجتمع المحلي.
الثورة – حسن العجيلي