
في ظل صمت رسمي تام من قبل السلطات السورية، أثيرت عاصفة من الجدل وساد القلق الأوساط الفلسطينية خلال الأيام الماضية، بعد رصد تغيير مفاجئ في السجلات المدنية الخاصة بالفلسطينيين المقيمين في سوريا.
ومرد هذه المخاوف من أن إلغاء الصفة القانونية التاريخية للاجئين الفلسطينيين في سوريا قد يفضي إلى تداعيات قانونية وإنسانية خطرة تمس الحقوق المدنية بل وحتى هوية اللاجئ الفلسطيني في سوريا.
تداول موقع زمان الوصل السوري وثائق وشهادات تفيد باستبدال صفة “فلسطيني سوري” التي استخدمت لعقود في الوثائق الرسمية بـ “فلسطيني مقيم”، فضلاً عن الإشارة إلى المواليد الجدد بصفة “أجانب” في خانة المحافظة، وذلك عند تسجيل الولادات الجديدة والشروع باستخراج بيان ولادة من الأحوال المدنية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين.
حادثة فردية ولكن ليست معزولة
واستند الموقع في تقريره إلى شهادة أحد اللاجئين الفلسطينيين المقيم في مدينة دوما الواقعة في ريف دمشق، الذي فوجئ مؤخراً لدى سعيه إلى تسجيل مولوده الجديد في السجل المدني، بأن صفة “فلسطيني سوري” التي دونت سابقاً في سجل ابنته عام 2022، استبدلت بعبارة “فلسطيني مقيم محافظة الأجانب” لمولوده الجديد.
وقال الأب “أنا من مواليد دوما.. ابنتي سجلت فلسطينية سورية لكن الآن يقولون لي إن ابني أجنبيّ.. كأننا أصبحنا غرباء في وطن عشنا فيه 80 سنة”.
وتفيد المصادر بأن هذه الحادثة لا تعتبر معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة تغييرات متكررة أبلغ عنها لاجئون فلسطينيون في محافظات دمشق ودرعا واللاذقية، ممن اكتشفوا تعديل صفاتهم القانونية بشكل مفاجئ.
بين الاستهجان والقبول: جدل قانوني، حقوقي ومدني واسع
واعتبر حقوقيون هذه الحادثة مؤشراً مقلقاً على تحوّل إداري غير معلن، قد يهدد الحقوق المكتسبة لعشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، من شأنها أن تنتزع صفة الانتماء الوطني عن فئة كبيرة من اللاجئين الذين ولدوا وترعرعوا في سوريا ويعيشون فيها منذ نكبتهم في العام 1948.
من جهتها، حذّرت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” وهي منظمة حقوقية تُعنى بشؤون اللاجئين، حذّرت من أن إلغاء تاريخ اللجوء من السجلات واستبدال الانتماء القانوني بـ “مقيم أجنبي” قد يؤدي إلى عواقب أبرزها فقدان الاعتراف القانوني بالهوية كلاجئين في واقع سياسي هش،
ما قد ينعكس حتى على أوضاعهم خارج سوريا. فضلاً عن تهديد حقوقهم المكتسبة منذ عقود بما فيها الصحة والتعلم والتملك والعمل، بل حتى للهوية نفسها.
صمت رسمي وتساؤلات بلا إجابات
ولم تصدر، حتى الآن، أي جهة رسمية سورية بياناً أو إيضاحاً يوضح صحة الإجراء من عدمه، ولا خلفيات التعديل أو أسبابه أو نطاق تطبيقه. كما لم تتناول وسائل الإعلام السورية الرسمية الموضوع رغم حساسيته القانونية والسياسية والاجتماعية، بحسب الناشطين.
ويعتبر حقوقيون أن هذا الصمت يفتح باباً أمام فرضيات متعددة تشمل سعي السلطات الجديدة في سوريا إلى إعادة تعريف من يحق له الإقامة القانونية في سوريا، بينما يراها آخرون تصفية تدريجية للسجل الخاص باللاجئين الفلسطينيين في ظل حديث عن تطبيع للعلاقات بين دمشق وتل أبيب،
أو التوصل إلى اتفاق أمني بين البلدين لا مكان فيه للاجئين الفلسطينيين، أم أن ما يجري حقاً هو مجرد إجراء أو خطأ تقني إداري لا يحمل أي أبعاد سياسية كما يراها فريق ثالث من رواد منصات التواصل الاجتماعي.
تراجع في الاعتراف القانوني؟
يجدر الذكر أن الوضع القانوني الخاص بفلسطينيي سوريا نص عليه القانون رقم 260 لعام 1956، ومنح الفلسطينيين صفة “من في حكم السوري” في التعليم والعمل والإقامة والتملك، وبموجبه يحصل الفلسطينيون على “تذكرة إقامة مؤقتة للاجئين الفلسطينيين” ويسجل في خانة الموطن الأصلي: فلسطين.
وأثيرت مخاوف من أن ما يقرب من 85% من الفلسطينيين في سوريا قد يتأثرون بهذه الإجراءات إن اعتمدت كقوانين، كما دعا حقوقيون السلطات السورية للمسارعة والتحرك العاجل لإعادة تصحيح السجلات وضمان حقوق اللاجئين.
مونت كارلو الدولية