
دخل السوريون المشمولون بـ”الحماية المؤقتة” في تركيا دوامة من الغموض مع إلغاء تقديم الخدمات المجانية لهم في المشافي العامة، ومراكز صحة المهاجرين، وإخضاعهم لنظام الضمان الاجتماعي، ما عزز مخاوفهم من كون القرار يشكل ضغطاً غير مباشر لدفعهم للعودة الطوعية إلى بلادهم.
ويحصل اللاجئون السوريون بفضل النظام التركي القائم قبل التعديلات الأخيرة على خدمات المعاينة الطبية المجانية، كما أن معظم الأدوية مجانية، وقد تكون هناك فروق مالية في النظام الجديد، لكن الغالبية بدون أجر.
ويؤثر القرار التركي الجديد الذي نشر في الجريدة الرسمية بشكل مباشر على نحو مليونين و375 ألف سوري، ويتضمن تعديلات تجبر جميع الأجانب المشمولين بالحماية المؤقتة على دفع اشتراك التأمين الصحي، وفق النظم الخاصة بمؤسسة الضمان الاجتماعي.
ووفق موقع مؤسسة الضمان الاجتماعي، يبلغ قسط التأمين الصحي المطلوب من الأفراد حالياً 780 ليرة تركية شهرياً (18.3 دولارا أميركيا)، وسيتغير هذا الرقم اعتبارا من بداية العام المقبل مع زيادة الحد الأدنى للأجور في البلاد.
وأوضح مصدر في وزارة الصحة التركية لـ”العربي الجديد”، أن “وزارة شؤون الأسرة والسياسات الاجتماعية، ووزارة الداخلية، والمديرية العامة للخدمات الاجتماعية التابعة لوزارة العمل تعمل معاً في هذا الملف،
وتدفع التعليمات الجديدة من يستطيع تحمل التكاليف إلى الانضمام إلى التأمين الصحي، على أن تستمر خدمات الرعاية الصحية في المرحلتين الأولى والثانية بالمجان لمن لا يستطيع تحمل كلفتها،
علماً أنه لم يطرأ أي تغيير على خدمات الرعاية الصحية بمراكز صحة المهاجرين والعيادات الخارجية للأجانب، والتي ستستمر بالمجان”.
وأضاف المصدر أنه “سيُطلب دفع رسوم مالية، كما يدفع المواطنون الأتراك، لاستخدام خدمات المشافي العامة، ولتجنب أي صعوبات مالية لمن لم يستطع الانضمام إلى التأمين الصحي، يمكنه التوجه إلى مديرية شؤون الأسرة في الولاية، وتقديم التماس يؤكد فيه عدم وجود دخل، طالباً الحصول على رعاية صحية مجانية،
وسيتم مراجعة مستوى دخله، وتقديم الدعم لمن هو يحتاج بالفعل، وهؤلاء سيمكنهم الحصول على الرعاية الصحية المجانية، كما أن الخدمات الصحية في المستشفيات الخاصة والجامعية متاحة لحالات الطوارئ، وستبقى كذلك من دون تغيير”.
ويعج مركز صحة المهاجرين في منطقة أسنيورت بإسطنبول، بالمراجعين السوريين، في ظل تأويلات وتفسيرات للقرار الجديد الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي، بانتهاء الخدمات المجانية، وطلب شمولهم في الضمان الصحي.
وأفاد عدد من المراجعين بأن القرار يمهد لإغلاق المراكز الصحية للمهاجرين تمهيداً للترحيل أو العودة الطوعية.
يقول اللاجئ السوري أحمد خليل لـ”العربي الجديد”: “دخلنا في نفق مظلم وحالة من الضبابية بعد القرار الجديد، فالخدمات الصحية أساسية لكل عائلة، والخدمات المقدمة تساهم في العلاج رغم نقص الأطباء المختصين في مراكز صحة المهاجرين، وحتى الآن، لا نعرف طبيعة القرار، ولا الهدف منه، لكننا نشعر أنه جزء من الضغوط المستمرة لإجبارنا على العودة الطوعية”.
ويشاطره السوري عبود مصطفى الرأي، قائلاً لـ”العربي الجديد” إنّ “استمرار غياب الخدمات الأساسية في المناطق السورية، وخاصة في الأرياف والبلدات المدمرة، هو ما يؤخر العودة الطوعية، فضلاً عن واقع تعليم أطفالنا في المدارس التركية، والحرمان من الخدمات سيزيد الضغوط علينا، ويضعنا في وضع صعب يجعلنا نضطر لاتخاذ قرارات ليست منطقية في الوقت الحالي”.
وإزاء غموض القرار الجديد، يقول رئيس اتحاد منظمات المجتمع المدني السوري للتنمية، مهدي داود لـ”العربي الجديد”، إن “القرار فُهم بشكل خاطئ، وما نعلمه أنه ستتم معاملة السوريين مثل الأتراك المشتركين في الضمان الصحي، وهذا يعني أنه سيتم دفع 15 ليرة ونصف (أقل من نصف دولار) لإجراء المعاينات بالمشافي الحكومية، كما سيدفع السوري 20% من قيمة الأدوية الذي يدفعه الأتراك وفق نظام الضمان الصحي، وفي السابق كان السوري لا يدفع، وهذه هي الفروق الجوهرية”.
ويضيف داود أن “الحديث عن معاملة السوريين مثل من لا يملكون وثيقة تأمين صحي غير صحيح، وما قصد بالتعليمات التركية الجديدة هو دفع هذا المبلغ الذي يسمى ضريبة القيمة المضافة، كما أن المشافي الجامعية ستعامل السوريين مثلما تعامل الأتراك”،
وتابع: “لم تختلف مسألة العلاج في المشافي الخاصة، فهي أصلاً مأجورة، لكن خدمات الإسعاف ستبقى مجانيّة، وكذلك العمليات الجراحية، وعلاج الأمراض التي تتطلب النوم في المستشفيات الحكومية سيبقى مجانياً، والحديث عن إغلاق مراكز المهاجرين الطبية غير صحيح بالمرة”.
العربي الجديد- محمد شيخ يوسف












