سياسة

تحديات تثبيت الزواج والنسب في سوريا.. تعقيدات تواجه العائدين

يجد السوريون العائدون من دول اللجوء والاغتراب أنفسهم في مواجهة إجراءات روتينية وتعقيدات تتعلق بالأوراق الثبوتية، مثل تثبيت الزواج والطلاق وتثبيت نسب الأطفال، وخصوصاً العائدين من تركيا ومن ثبّتوا الزواج في بعض الدول العربية. 

وتتلخص مشاكلهم في إجراءات تصديق الأوراق، ولا سيما الخاصة بولادة الأطفال خارج سورية، إضافة إلى الإجراءات المتعلقة بتثبيت الزواج في محاكم الأحوال الشخصية للتوجه بعدها إلى دوائر النفوس والحصول على شهادة القيد والبيان العائلي، وحتى شهادة القيد للأطفال.

أوضح السوري فادي المحمد، المقيم في إسطنبول، لـ”العربي الجديد”، أن زوجته عادت أخيراً إلى سورية، وبدأت بإجراءات تثبيت الزواج، مشيراً إلى أن لديهم بطاقة عائلية صادرة عن دائرة النفوس في المنطقة التي يقيمون فيها، لكنها غير معترف بها في سورية.

وأضاف: “احتجنا إلى إخراجات قيد لي ولزوجتي، ومع ذلك ما زلت عازباً على الورق، وهي كذلك، لكن المشكلة التي واجهتها أيضاً هي كنية الأم في الأوراق الصادرة عن دائرة النفوس في تركيا”.

ولفت المحمد إلى أن سبب المشكلة عائد إلى تغيير كنية الزوجة في وثائق الزواج التركية إلى كنية الزوج.

وأضاف: “وقعت في حيرة لكون الأمر عرقل تثبيت نسب الأطفال لدي، لكن بعد مراجعة دائرة النفوس في تركيا منحوني ورقة تتضمن كل التفاصيل الشخصية للزوجة قبل الزواج وبعده، وتوضح إجراء تغيير الكنية”.

وعن سبب عرقلة الكنية لتثبيت الأطفال قال: “كنية الزوجة في إثباتات الأطفال هي نفسها كنيتي، لكن في إخراج القيد السوري اختلفت الكنية، وهو ما تسبب بكل هذه المشكلة”.

واشتكى أيهم بربور، المنحدر من ريف اللاذقية، من الإجراءات الروتينية التي تستغرق وقتاً طويلاً، وقال لـ”العربي الجديد”: “طلبوا مني لتثبيت الزواج إحضار شاهد من أهل الزوجة، ثم طلبوا رسوماً قدرها 50 دولاراً على كل ورقة في القنصلية، إضافة إلى التصديق من السفارة ووزارة الخارجية السورية، وخصوصاً بالنسبة إلى أوراق الولادة”.

وتابع: “وجدت الأمر معقداً للغاية، لكون الأوراق كلها بحاجة إلى ترجمة وتصديق، فتوجهت إلى أحد المحامين لإنجاز هذه التعقيدات المطلوبة”، لافتاً إلى أن التكاليف بلغت 400 دولار لكونه يملك طفلتين فقط.

إجراءات معقدة تواجه السوريين العائدين

كذلك وجد فارس العبدو، المنحدر من ريف دمشق، أن الإجراءات القانونية معقدة للغاية. وقال لـ”العربي الجديد”: “ذهبت إلى دائرة النفوس في ناحية سعسع بريف دمشق، وأخبرتهم أني أريد تثبيت الزواج وتثبيت نسب أطفالي، اطلع الموظفون على الأوراق التي لدي، وابلغوني بضرورة التوجه أولاً إلى المحكمة”.

تابع العبدو: “فور وصولي إلى المحكمة، أخبرني معقب معاملات يعمل هناك أنه يجب عليّ إحضار الأوراق الخاصة بتثبيت الزواج من تركيا، حيث كنت أقيم سابقاً، إضافة إلى شهادات الميلاد الخاصة ببناتي، على أن تكون هذه الشهادات مصدقة من القنصلية السورية ومترجمة”.


أضاف العبدو: “المشكلة في هذه الإجراءات هي الوقت الطويل الذي تحتاجه، وأنا لدي أربعة أطفال، ما يعني أن الأمر يتطلب مني السفر إلى تركيا ومراجعة دائرة النفوس في المنطقة التي كنت أقيم فيها في إسطنبول، ووجدت أن التكاليف ستكون مرتفعة للغاية، ولا سيما أن تصديق كل ورقة في القنصلية يكلف 50 دولاراً، أي إنني بحاجة إلى 200 دولار فقط لتصديق أوراق الولادة”.

وكان الحل المتاح أمام العبدو هو التعامل مع مكتب في المنطقة لإجراء كل المعاملات الخاصة بتثبيت الزواج والنسب وغيرها، مشيراً إلى أن التكلفة بلغت 500 دولار. وقال: “جهز لي المكتب معاملة تثبيت الزواج، ثم ثبّت لي نسب أطفالي، وحصلت على بيان الزواج والبيان العائلي وإخراجات قيد للأطفال، لكونها مطلوبة للتسجيل في المدارس”.

وأوضح أن الإجراءات في تركيا أسهل إلى حد ما، إذ يملك دفتر عائلة تركياً، لكنه أشار إلى أن إثباتات الزواج التركية غير معترف بها في سورية، وهو ما يشكل مشكلة إضافية.

يعد تثبيت الزواج والنسب في سورية من أكثر القضايا القانونية والاجتماعية تعقيداً بالنسبة إلى السوريين العائدين من الخارج، كما يؤكد المحامي أيهم السبسبي لـ”العربي الجديد”.

فالزواج غير المثبت رسمياً يعتبر بحكم العدم أمام القانون، ويترتب عنه حرمان الزوجة حقوقها، وحرمان الأولاد أيضاً التسجيل في المدارس والحصول على قيود مدنية نظامية.

ويواجه غير مثبتي الزواج أيضاً مجموعة من التحديات وفق السبسبي، تتمثل بفقدان الوثائق أو عدم الاعتراف بها، فكثير من عقود الزواج جرت خارج سورية ولم تصدق أصولاً من السفارات أو وزارة الخارجية، إضافة إلى الرسوم والتكاليف، لكون دعاوى تثبيت الزواج والنسب تحتاج رسوماً قضائية وأتعاب محامين وتكاليف تصديق، ما يرهق العائدين. 

كذلك يجب على من يقدمون على تثبيت الزواج دفع رسوم الوكالات في السفارات السورية، ففي حال بقاء أحد الزوجين في الخارج، يحتاج الطرف الموجود في سورية إلى وكالة منظمة من السفارة السورية، وهذه الوكالات غالباً ما تكون رسومها مرتفعة وتشكل عبئاً إضافياً على الأسرة.

وتستغرق الإجراءات القانونية أيضاً مدة زمنية طويلة، إذ يشير السبسبي إلى أن المحاكم تتشدد في الإثبات وتطلب شهوداً أو وثائق قد يصعب تأمينها، ما يجعل الدعوى تستمر لأشهر، وربما سنوات، ويترتب على ذلك آثار اجتماعية، لكون الأولاد هم الضحية الأكبر، حيث يبقون بلا قيود أو حقوق مدرسية ومدنية حتى استكمال الدعوى.

يوضح السبسبي أيضاً أن قضايا تثبيت الزواج والنسب تصبح معقدة في كثير من الأحيان، ولا سيما في حال وجود أطفال بين الزوجين. وقال: “قد تعود الزوجة إلى سورية مع أطفالها، فيما يبقى الزوج مغترباً، فتجد نفسها عاجزة عن تسجيل أولادها في المدارس لعدم وجود عقد زواج مثبت، ولا يوجد وكيل عن الزوج لإتمام المعاملة، وهنا تزداد المعاناة بسبب ارتفاع رسوم تنظيم الوكالة من السفارة السورية، ما يجعل إجراءات التثبيت أكثر صعوبة وتعقيداً”.

ويرى السبسبي أن هناك حاجة ملحة لإيجاد حلول واقعية، لكون هذه القضايا تكشف عن وجود فجوة بين الواقع الاجتماعي والإجراءات القانونية،

مشيراً إلى أن حل المشاكل التي تتعلق بقضايا الأطفال يجب أن يكون في مقدمة الأولويات، وذلك يستدعي تسريع البت في هذه الدعاوى عبر تخصيص محاكم أو غرف خاصة، وتخفيف الرسوم القضائية ورسوم الوكالات، أو إعفاء الحالات الإنسانية منها، ومنح صلاحيات أوسع للإدارات المختصة لتثبيت الزواج والنسب بناءً على الحد الأدنى من الإثبات، دون إرهاق العائلات بالروتين،

ومؤكداً أن قضية تثبيت الزواج والنسب للعائدين من خارج سورية ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي مسألة تمسّ استقرار الأسرة وحقوق الأطفال.

ولفت إلى أن الأمر يطوي تحته الكثير من التعقيدات، ولا سيما في حالات الطلاق غير المسجلة، وحالات الزواج والولادات وقضايا الخلع، إضافة إلى تعقيدات قبول تثبيت الزواج في بعض الدول العربية دون غيرها، ووجود أحد الزوجين في سورية دون الآخر لإجراء هذه المعاملات.

وختم السبسي بالقول: “تثبيت الزواج في الدول العربية يدخل في تخصصات قانونية يترتب عليه دفع رسوم أيضاً”، مضيفاً أن “وكالة الزوج تكلف نحو 200 دولار، ودعاوى تثبيت الزواج والنسب بحاجة إلى محامٍ أيضاً”. وختم بالقول: “هناك الكثير من التداخلات القانونية والتخصصات ضمن هذا الأمر الشائك”.

العربي الجديد- عبد الله البشير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى