
ظل النظام الضريبي في سوريا ولعقود طويلة أشبه بآلة قديمة تتحرك ببطء، تتراكم عليها الطبقات الزمنية دون تحديث جذري، وتكبّل المشاريع الاقتصادية والإنتاجية بقيود تقليدية لا تواكب العصر. فعلى مدار السنوات الماضية، صدر الكثير من المراسيم التي شهدت بموجبها السياسات الضريبية تعديلات شكلية، ولكن بقي الهيكل الأساسي متأصلاً بقوانين قديمة تجاوزتها دول عديدة.
وعلى اعتبار أن الإصلاح الضريبي لم يعد خياراً من منظور الكثير من الاقتصاديين، بل حاجة وضرورة في الوقت الذي تسعى فيه كل الجهات المعنية لزيادة الاستثمارات والإنتاج، بدأت تحركات بالفعل للإصلاح الضريبي وإعادة هيكلة هذا النظام، من خلال تشكيل لجنة جديدة لمراجعة ودراسة النظام الضريبي السوري، وكل التشريعات الضريبية النافذة، واقتراح التعديلات اللازمة في إطار رؤية الإصلاح للسياسة الضريبية.
أهداف لجنة الإصلاح الضريبي
وحول ما يتم السعي إليه في هذا الإطار، قال عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق علي كنعان، وهو أحد أعضاء اللجنة المذكورة، إن “الهدف من هذه اللجنة هو إعادة صياغة نظام ضريبي جديد يخدم أهداف المرحلة القادمة، وفي مثل هذه الظروف عادة ما تقوم الحكومات بتخفيض الضرائب بهدف جذب الاستثمارات والمستثمرين للعمل، لا سيما في حالة الاقتصاد السوري الذي تضرر من جراء فترة العقوبات، وخلال مرحلة انطلاقة الثورة”.
وأشار كنعان، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إلى أن “اللجنة ستعقد الكثير من الاجتماعات في المرحلة القادمة وستعيد النظر في قانون الضرائب، لأن القانون الحالي يعتمد على الضرائب النوعية، بينما يتجه التفكير نحو الاعتماد على الضريبة على مجمل الدخل وتخفيض الشرائح الضريبية، بحيث تكون سورية جاذبة للاستثمار”، مضيفا أنه “في حال اعتُمِد هذا التوجه ستصدر وزارة المالية المزيد من الإعفاءات الضريبية بهدف جذب الاستثمار وإقامة المشاريع الصناعية والحرفية التي توقف معظمها بسبب الفساد والتعديات”.
ولفت عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق إلى “وجود حوالي 20-30 مرسوما ضريبيا تنظم قطاعات ضريبية معينة، سيتم توحيدها جميعها بقانون عصري يكون واضحا يفهمه المكلّف”، مؤكدا أن “فهم القانون يدفع للالتزام به، فإذا عرف مقدار الضريبة يوازن المكلّف بين إمكاناته وما يجب أن يدفعه، في وقت إن القوانين غير المفهومة وغير الواضحة والتي تعتمد على الموظفين تدفع المكلّف للتهرب من دفع الضرائب، وهنا يزداد الفساد وينشط”، مشددا على أن “هذا ما كان يعاني منه أصحاب المشاريع في المرحلة السابقة، فكمية الفساد أكبر بكثير من التحصيل الضريبي”.
وعن التخوف من نقصان الإيرادات التي تعود على الخزينة العامة للدولة من جرّاء الإعفاءات الضريبية، أكد كنعان أن “كل موازنات الدول تعتمد على الضرائب بالدرجة الأولى، وفي حال وجود العجز تستدين الحكومة من السوق النقدية”، معتبراً أن “تعديل الشرائح الضريبية نحو التخفيض لن يؤثر كثيراً على الحصيلة التي تعد منخفضة أساساً بسبب قلة الاستثمار وضعف الإنتاج، وخاصة بعد النزاعات الطويلة وتعدد الأنظمة والقوانين وانتشار الفساد”.
وفي السياق، أوضح المتحدث ذاته أن “الضرائب ستشمل كل منشأة منتجة للدخل، لكن عندما يكون معدل الضريبة منخفضا ستزداد الحصيلة، والعكس صحيح، ففي حال كان المعدل مرتفعاً سيزداد التهرب الضريبي، متوقعاً انخفاض نسبة مشاريع اقتصاد الظل عند اعتماد المعدلات الجديدة وإعطاء المزيد من الإعفاءات”.
مشكلة النظام الضريبي القديم
من جهته، يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق عابد فضلية أن “مشكلة الضرائب في سورية أنها تساوي بين الأنشطة على اختلاف نوعيتها”، موضحاً أن “الضريبة ذاتها تفرض على الأنشطة الأساسية الإنتاجية التي يجب العمل على تطويرها وتشجيعها، والأنشطة الكمالية التي من الطبيعي أن يفرض عليها ضرائب عالية، سواء في سورية أو في كل دول العالم”.
ولفت في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إلى أن “النظام الضريبي في سورية يعود إلى أكثر من 50 عاماً، ومأخوذ من تشريعات تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، كما توجد مصطلحات موجودة بتلك التشريعات لم تعد مستخدمة في العالم”، واصفاً النظام الضريبي بـ”أنه غير مشجع في أماكن يجب أن يشجع بها، لذلك يجب التمييز الضريبي بحسب أهمية النشاط”.
واعتبر فضلية أن “الضرائب المعتمدة في سورية أدت إلى خسائر هيكلية في الاقتصاد السوري عندما شهد حركة إغلاقات لمصانع وفنادق خلال السنوات الماضية نتيجة ارتفاع حجم تلك الضرائب”، مشيرا إلى أن “المكلِّف الضريبي لا يأخذ بالاعتبار الظروف السياسية والاجتماعية والخارجية والداخلية التي تمر بها البلاد”.
ولفت إلى أن “السبب الرئيسي لمشكلة التهرب الضريبي هو أن المكلَّف غير مقتنع بعدالة الضريبة التي تفرض عليه”. وطالب فضلية اللجنة المشكّلة بأن “تعمل على أن يكون النظام الضريبي شاملا وعادلا بين كل المناطق والأنشطة، وبنسب مختلفة وعادلة”، معتبراً أن “تشكيل اللجنة يعد خطوة إيجابية صحيحة تعترف بأن النظام الضريبي غير متوازن وغير مناسب”.
العربي الجديد