محليات

 القطاع الصحي في سوريا.. شحّ في الأدوية والكوادر!

على الرغم من تأكيد الجهات الحكومية في سوريا أنّ الرعاية الصحية لا تزال مجانية، فإنّ الخدمات الصحية في المستشفيات العامة تشهد تدهوراً خطيراً بسبب النقص الحادّ في الأدوية والمستلزمات.

جنباً إلى جنب الهجرة الكبيرة للكوادر الطبية والإدارية، إلى درجة أنّ هذه الخدمات باتت عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان، ناهيك عن الحالات الطبية الخطيرة.

ونظراً إلى النقص الحادّ في المواد الإسعافية وأدوية الالتهابات والمسكّنات وخافضات الحرارة ذات الاستخدام اليومي، وعدم توفّر بعض المواد المُستخدمة في التحاليل، كثيراً ما يضطر الأهالي إلى تأمين الأدوية بأنفسهم.

وفي حديث إلى «الأخبار»، تروي رويدة تجربتها الخاصة، عقب تعرّض والدتها لأزمة صحية مفاجئة، قائلة: «ذهبتُ إلى أقرب مستشفى حكومي، حيثُ طلب الطبيب إجراء تحاليل عاجلة وبعض الصور الشعاعية، والتي لم تكن مُتاحة في المستشفى.

حتى إنّ قسم الإسعاف طلب مني شراء المستلزمات الطبية الأولية كالإبر والشاش الطبي والمعقّمات وأدوية الالتهابات والمسكّنات. فغادرت المستشفى وتواصلت مع إحدى الجمعيات الخيرية التي تولّت مشكورة تحمّل تكاليف علاج والدتي».

وتضيف في حديثها إلى «الأخبار»، أنّ والدها المُتوفى قبل عشر سنوات كان ضابطاً متقاعداً، وأنّ العائلة كانت «تتعالج في المشافي العسكرية بشكل لائق ومجاناً، قبل أن تقوم السلطات الحالية بإغلاق تلك المشافي وطرد كوادرها».

ولا يبدو المشهد أكثر إيجابية في المستشفيات الخاصة، حيثُ تُثقِل التكاليف العلاجية كاهل العائلات ذات الدخل المحدود، وتُجبِر الكثيرين على الاقتراض أو بيع ممتلكاتهم في ظل غياب دعم حكومي كافٍ أو تغطية تأمينية.

وبعدما اضطر فارس أمين، القادم من اللاذقية، إلى نقل والده المريض من مستشفى حكومي بسبب سوء الخدمات، إلى آخر خاص، بلغت فاتورة الإقامة والعلاج في المستشفى أكثر من 9 ملايين ليرة خلال أسبوع واحد، على الرغم من أن والده فارق الحياة.

وبصورة أعمّ، لا يزال أبناء الطبقات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود يفضّلون اللجوء إلى المستشفيات العامة، إذ إنّه رغم تراجع خدماتها وجودتها، فإنّ الإقامة ومعاينة الأطباء، حتى لو كانت على أيدي طلاب من كلية الطب، تظلان مجانيتين.

وفي السياق، يشير زياد، وهو طبيب سابق في أحد المراكز الصحية العامة في دمشق، إلى أنّ ملامح الانهيار والعجز ظهرت بشكل واضح في عمل المستشفيات العامة، بعدما أصبحت أعطال الأجهزة كثيرة، واشتدّ النقص في المستلزمات والأدوية والكوادر المؤهّلة.

ويردف في حديثه إلى «الأخبار»: «المستشفى الذي كنت أعمل فيه خسر أكثر من 60% من كوادره الطبية والإدارية في السنوات الماضية، بسبب الهجرة أو التقاعد من دون تعويض أو ضعف الرواتب. وهو يستقبل في العيادات والإسعاف أكثر من ضعف طاقته الحقيقية، ما يؤدي إلى تكدّس المرضى وتأخير الاستجابة، وبالتالي، مغادرة الكثير من المرضى».

في الإطار نفسه، تظهر إحصاءات «منظمة الصحة العالمية» أنّ ما يقارب من 70% من العاملين الصحيين في سوريا قد نزحوا، فيما لا يزال طلاب الطب والأطباء المقيمون يفكرون بالسفر إلى أوروبا أو أميركا أو دول الخليج».

ومن جملة العوامل الأخرى التي تغذّي هذه الظاهرة، سياسة الإقصاء والتهميش والإجازات المأجورة في عهد السلطة الجديدة.

أمّا المؤشّر الأخطر حول وضع النظام الصحي في سوريا، فجاء على لسان «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، والذي لفت بصراحة إلى أنّ «النظام الصحي في سوريا يواجه خطر الانهيار الكامل، في ظل واقع متدهور يشمل بنية تحتية طبية مُدمّرة، ونقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات، وتراجعاً في أعداد الكوادر الصحية، وإغلاق العديد من المرافق الطبية، ما يُعرّض حياة الملايين من السكان للخطر»،

منبّهاً إلى أنّ استمرار «عدم الاستقرار في سوريا يهدّد بشدة تقديم الخدمات الصحية الأساسية، في وقت يُقدّر فيه عدد من يحتاجون إلى مساعدة صحية عاجلة بنحو 15.8 مليون شخص».

كذلك، شدّد «المرصد» على أنّ المسؤولية الأساسية في ضمان الحق في الصحة تقع على عاتق السلطات السورية، التي يتعيّن عليها إعداد وتنفيذ استراتيجية وطنية شاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية الصحية، وضمان تمويل مُستدام للقطاع، بما يضع حداً للاعتماد المُفرِط على المساعدات الخارجية.

على الضفة المقابلة، لا تزال الحكومة الانتقالية تحمّل النظام السابق مسؤولية تدهور أوضاع المستشفيات، مطلقةً وعوداً بإعادة تطويرها وتحديثها. وطبقاً لما يؤكده مصدر خاص في وزارة الصحة، فإن خطط الوزارة تتركّز حالياً على تأمين وتحديث الأجهزة الطبية في جميع المستشفيات، سواء عبر المساعدات الدولية أو المنظمات والجمعيات الإنسانية.

كما تتم الاستعانة بفرق طبية متخصّصة من الخارج لإجراء العمليات الدقيقة والمعقّدة. أما باقي الخدمات الصحية الروتينية، فيتم التعامل معها وفق الإمكانات المُتاحة.

وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ موضوع الحفاظ على الكوادر الطبية وسدّ النقص فيها هو ضمن الخطط المستقبلية، والتي تفترض زيادة التعويضات المالية للعاملين ورفدها بكوادر جديدة ومؤهّلة.

من جهتها، تقول وزارة التعليم العالي، التي يتبع لها عدد كبير من المشافي الجامعية، إنّ سوء الخدمات الصحية سببه تراكمات تعود إلى زمن النظام السابق، وهي تعمل حالياً على تدارك العجز، من خلال الدعم المحلي والدولي، بهدف تحسين جودة التجهيزات الطبية أولاً،

مشيرةً إلى أنّ «التنسيق يتمّ مع منظمات أهلية وهيئات داعمة لتلبية الاحتياجات الطارئة وتسريع عملية تأمين الأجهزة والمستلزمات الطبية».

صحيفة الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى