
تُعد القاعة الشامية في المتحف الوطني بدمشق من أبرز وأبهى نماذج العمارة التقليدية التي ما زالت تحفظ ملامح البيت الدمشقي الأصيل،
حيث يعود تاريخها إلى عام 1737، وانتقلت من منزل جميل مردم بك إلى المتحف عقب حريق حي الحريقة عام 1945، لتُفتتح رسمياً أمام الزوار عام 1962، وتغدو منذ ذلك الحين جزءاً لا يتجزأ من الهوية العمرانية والثقافية للمتحف الوطني.
مشهديات معمارية وزخرفية
وللحديث عن مكونات القاعة وتفاصيلها بين مسعود بدوي نائب المدير العام للمديرية العامة للآثار والمتاحف لسانا أن القاعة الشامية بما تحمله من تكوين متكامل يعكس البيئة الدمشقية التقليدية، تضم البحرة الفستقية في الوسط،
وصولاً إلى نقوش الرخام والزجاج المعشّق وحفر الخشب المتقن، إضافة إلى العناصر المعمارية والزخرفية التي تحمل بصمة الدمشقيين في المزج بين أصالة الحرفة المحلية والتأثيرات العثمانية والأوروبية.
فنون وزخارف أصيلة
وتابع بدوي: تتزين القاعة الشامية بفنون متعددة، أبرزها فن العجمي المعروف باسم “الدهان الدمشقي”، الذي يقوم على النقش والتذهيب واستخدام ألوان زاهية تضفي على المكان فرادته،
وتتنوع الزخارف بين نباتية مستوحاة من الطبيعة، وهندسية قائمة على تشكيلات المضلعات والنجوم، فضلاً عن الزخارف الكتابية التي اعتمدت الخط العربي لتوثيق آيات قرآنية ونصوص شعرية، إلى جانب المقرنصات الجصية المميزة.
تفاصيل دقيقة تحمل روح المكان
تجمع القاعة في تكوينها بين الحفر على الخشب والرخام المطعّم والزجاج الملون والسقوف المزخرفة، مانحةً المكان بعداً جمالياً وإنسانياً خاصاً،
كما أن وجود الماء في البحرة الداخلية والإضاءة الطبيعية يضفيان توازناً بيئياً مميزاً كان من أبرز سمات العمارة الدمشقية التقليدية وفق بدوي.
معالم أثرية وتفاصيل مغرقة بالجمال
وأوضح بدوي أن القاعة تمثل فن الضيافة الدمشقي بما تعرضه من عناصر زخرفية أصيلة، من الحفر على الخشب والجص المزخرف إلى الترخيم على المصبّات والمدفأة والبحرة الرخامية،
أما زخارف السقف والجدران فتعكس فن الأرابيسك الدمشقي، وتزدان بألوان متعددة وتذهيب العجمي، إلى جانب الزجاج المعشّق والنوافذ الأربع المحيطة بالسقف.
وتتجمع في القاعة عناصر الصناعات التقليدية من رخام وخشب وزخارف نباتية وهندسية متداخلة، كما أسهم الفنان محمد علي الخياط بترميمها وتجديد تكويناتها لتعرض اليوم نموذجاً حياً للبيت الدمشقي.
قيمة ثقافية وزيارة معرفية
تشكل القاعة الشامية للزائر فرصة ملموسة لاكتشاف روح البيئة الدمشقية التاريخية، حيث يمكنه مشاهدة عناصر الحياة اليومية كالبركة الداخلية والزخارف العجمية والأقسام المختلفة للمنزل الدمشقي التي جمعت في تصميمها بين الجمال والوظيفة،
وهي في الوقت نفسه مكان للاحتفاء بالموروث الحرفي المحلي، حيث تتجلى تفاصيل الحفر على الخشب وفنون الرخام والزجاج المعشّق في تكوين فني متكامل.
كما تمنح زيارة القاعة المتلقي معرفة عميقة بكيفية تداخل الحرفة مع الفن في صياغة البيوت الدمشقية، وكيف اختلطت العناصر المعمارية بالزخارف والكتابات،
كما تتيح الاطلاع على تاريخ القاعة نفسها، والطريقة التي تم بها نقلها وترميمها لتكون جزءاً من المتحف الوطني، بعد أن أهداها جميل مردم بك إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف إثر دمار داره في حي الحريقة.
الأهمية التاريخية والحضارية
القاعة الشامية تمثل نافذة على الاتجاهات الفنية في القرن الـ12 الهجري/ الـ18 الميلادي، وتعد رمزاً للتراث الدمشقي ومثالاً على تكامل الفنون اليدوية التقليدية،
ومنذ افتتاحها للعرض المتحفي عام 1962، باتت جزءاً أساسياً من القسم العربي الإسلامي في المتحف الوطني بدمشق، وتؤدي دوراً بارزاً في حفظ الموروث المادي والمعماري السوري بحسب بدوي.
القاعة الشامية لوحة فنية متكاملة تجمع بين الضيافة الدمشقية وزخارف البيوت الكبيرة، وتشهد على تاريخ مدينة دمشق في التصميم والحرف التقليدية،
كما تمثل محطة معرفية وفنية للزوار، وتؤكد أصالة التراث الدمشقي وعراقته كنموذج فريد لصناعة البيت العربي التقليدي داخل المتحف الوطني.








