محليات

الركود التضخمي يضغط على الوضع المعيشي في سوريا

مع أن المؤشرات الرسمية تُظهر تباطؤاً واضحاً في وتيرة التضخم خلال عام 2025، ما يعكس تحسناً نسبياً في بعض جوانب المشهد الاقتصادي، إلا أن الواقع المعيشي للمواطن لا يزال يتجه في مسارٍ مخالف.

فارتفاع الأسعار مستمر، والقدرة الشرائية تواصل التراجع، ما يجعل تأثير أي تحسن رقمي محدوداً على حياة الناس اليومية.

وبين تراجع نظري لمعدل التضخم واستمرار الضغوط على الأسواق، يجد الاقتصاد السوري نفسه أمام حالة معقدة تتجاوز الأرقام، يصفها الخبراء بالركود التضخمي.


ويُعرّف صندوق النقد الدولي، الركود التضخمي بأنه مزيج من النمو الاقتصادي البطيء أو المنعدم، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع التضخم في الوقت ذاته، وهي حالة تُصعّب على صانعي السياسات اختيار أدوات فعّالة لمعالجة الوضع الاقتصادي.

وبحسب أحدث إحصائية نشرها المصرف المركزي، فقد تباطأ معدل التضخم في سوريا خلال عام 2025، ليبلغ نحو 36.8 بالمئة في الفترة من آذار 2024 إلى شباط 2025، مقارنة بـ 120.6 بالمئة في الفترة نفسها من العام السابق.

ويعود هذا الانخفاض إلى تحسن سعر صرف الليرة وزيادة المعروض من السلع، لكن مع استمرار الضغوط التضخمية وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل ملحوظ بسبب تدهور القوة الشرائية.

واقع معقد

في جولة على بعض أسواق مدينة دمشق، لوحظ ارتفاع أسعار السلع الأساسية، من الخضار والفاكهة إلى البقوليات والغذائيات، بنسبة وسطية تبلغ نحو 10 بالمئة.

ويقول المحلل الاقتصادي شادي سليمان، لصحيفة “الثورة السورية”: إن التضخم هو الارتفاع في المستوى العام للأسعار، ويُقاس بمتوسط سعر السلع والخدمات في اقتصاد ما، وهو متوسط بين أسعار المستهلك والمنتج، وذلك الارتفاع لا يكون بالضرورة في جميع الأسعار؛ فحتى في أوقات التضخم الشديد، قد تبقى بعض الأسعار ثابتة نسبياً، وقد ينخفض بعضها الآخر فعلاً.

وأضاف سليمان بأن التضخم يُعد أحد أبرز التحديات الاقتصادية التي يواجهها المواطن في الظروف الاقتصادية الحالية، لاسيما تأثيره على الأسعار في مختلف القطاعات، الأمر الذي يزيد من معاناة المواطن ويؤثر سلباً على قدرته على تأمين احتياجاته الأساسية.

لذلك فإن الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية شاملة باتت ضرورة لمعالجة التضخم وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطن في المرحلة القادمة.

واعتبر المحلل الاقتصادي أنه رغم مؤشرات مصرف سوريا المركزي حول انخفاض التضخم، إلا أن الأسعار لا تزال مرتفعة بشكل غير مبرر.

وبحسب سليمان، فإن استمرار غلاء المعيشة في ظل انخفاض التضخم يعكس واقعاً معقداً تتداخل فيه عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية، تتجاوز مجرد قياس معدلات التضخم البسيطة.

عوامل هيكلية

يرجع سليمان استمرار ارتفاع الأسعار رغم انخفاض التضخم إلى مجموعة من العوامل الهيكلية والاقتصادية التي تؤثر في الأسعار، منها ضعف قيمة الليرة وتدهور القوة الشرائية، حيث تعتبر العملة المحلية أحد العوامل التي تساهم في استمرار ارتفاع الأسعار رغم انخفاض التضخم.

ورغم التحسن الجزئي في بعض المؤشرات الاقتصادية، لا تزال الليرة ضعيفة، ما يعني زيادة تكلفة الواردات، فمعظم السلع الاستهلاكية من الغذاء إلى الدواء تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج، ما يرفع تكاليف السلع المستوردة.


ومن العوامل الأخرى، بحسب سليمان، نقص الإنتاج المحلي والاعتماد على الاستيراد، وخاصة أن بعض القطاعات مثل الزراعة والصناعة تأثرت بشكل كبير خلال سنوات الحرب ولم تتمكن حتى الآن من العودة إلى مستواها السابق من الإنتاج.

ويرى المحلل الاقتصادي أنه حتى لو انخفض التضخم محلياً، فإن التضخم العالمي في السلع الأساسية يمكن أن يكون له تأثير واضح على الأسعار المحلية.

حلول اقتصادية

حول الحلول الاقتصادية لمشكلة ارتفاع الأسعار رغم انخفاض التضخم محلياً، يقترح سليمان تعزيز الإنتاج المحلي من خلال التركيز على الزراعة والصناعة لتقليل الاعتماد على الواردات، ما يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية.

كما يدعو إلى تحسين قيمة الليرة عبر تعزيز استقرارها من خلال دعم الصادرات وتعزيز السياسات المالية والنقدية.
ويشير إلى أهمية الرقابة على الأسعار، والتي يمكن أن تسهم في تخفيض الأسعار وضبط الأسواق.

الثورة السورية – ميساء العلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى