الحِرف التراثية الدمشقية… ذاكرة وطنية تواجه تحديات البقاء
لا تزال أصوات المطارق في ورش الحرف الدمشقية التقليدية تدوي في أزقة المدينة القديمة، شاهدةً على صمود الموروث الحرفي أمام التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت خلال السنوات الماضية، ومحافظة على حضورها كأحد أعمدة الهوية الوطنية السورية.
تاريخٌ مكبّل بسلاسل النظام البائد
في حديث لمراسلة سانا، أوضح رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية فؤاد عربش أن الحرف التراثية شأنها شأن مختلف القطاعات الوطنية، واجهت صعوبات كثيرة خلال فترة النظام البائد، فلم يكن للحرفي أي دعم حقيقي،
وكانت الجمعية تعمل وفق نظام التقنين الاقتصادي في كل متطلبات العمل الأساسية، في ظل ضعف الدعم المؤسسي، وغياب التسهيلات المتعلقة بتأمين المواد الأولية، واستمرار انقطاعات التيار الكهربائي، مشيراً إلى أن الورش كانت تُدار وفق نظام تقنين يحدّ من استمرارية العمل وجودة الإنتاج.
وأضاف عربش: إن العديد من ورش الحرف التقليدية كالصدفيات والموزاييك والبروكار وغيرها، تقع ضمن المناطق والأحياء الشعبية، والتي عاشت مأساة البراميل المتفجرة أيضاً، ما أدى إلى تضرر عدد كبير من المحلات، وفقدان كوادر مهنية خبيرة، لافتاً إلى أن التكية السليمانية أحد أبرز المعالم التراثية المرتبطة بالحرف الدمشقية، تعرضت كذلك لأعمال تخريب من قبل النظام البائد أثّرت على حضورها كمركز مهني وحضاري.
موروث شعبي مثقل بضغط السوق وصراع البقاء
وأشار عربش إلى أن التحديات لا تقتصر على الأضرار المادية، بل تشمل أيضاً ضغوطاً تسويقية فرضتها بعض الجهات التي تحكمت بسوق الحرف، فانعكست سلباً على الحرفيين، مثل هيمنة طبقة من التجار المقربين من النظام البائد على تسويق المنتجات، وتقاضيهم أرباحاً كبيرةً، مقابل ضآلة ما يصل لأصحاب اليد العاملة الحقيقيين، ما أدى إلى تراجع الإقبال على تعلم هذه المهن لدى الأجيال الجديدة.
ولفت عربش إلى أن المشاركة في بعض الفعاليات والمعارض خلال السنوات الماضية كانت مفروضة عليهم لتلميع صورة النظام البائد، وكانت تُوظَّف لأغراض ترويجية دون تحقيق مكاسب حقيقية لأصحاب الحرف.
الإنجاز رغم الصعوبات
ورغم ذلك، سجل الحرفيون السوريون إنجازات لافتة في المحافل الدولية، حيث نالت الحرف الدمشقية تقديراً واسعاً، من بينها الجائزة الأولى التي نالها عربش عن حرفة الموزاييك في معرض “سراج كونت” الدولي بمدينة فريد آباد الهندية عام 2015، وسط منافسة مع ممثلين من 33 دولة، مؤكداً أن عدداً من الورش السورية تواصل تلبية طلبات خارجية، ما يعكس استمرارية وتميز وحضور الحرف السورية في الأسواق العالمية.
تنظيم عمل الجمعية بعد التحرير
وفيما يتعلق بدور الجمعية الحرفية، أشار عربش إلى أن الإدارة الجديدة تعمل على تنظيم العمل وإعادة الهيكلة، بهدف وضع آليات أكثر فاعلية لدعم الحرفيين، داعياً إلى تحديث التشريعات الناظمة، وعلى رأسها المرسوم رقم 250 الصادر عام 1969، بما يتماشى مع تطورات المرحلة واحتياجات القطاع الحرفي، ومؤكداً أن الظروف الصعبة التي مرت بها الجمعية بدمشق طالت أيضاً جمعيات المحافظات الأخرى.
دعم التراث مسؤولية الجميع
وأكد عربش أن الحفاظ على التراث الحرفي مسؤولية مشتركة، تتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات، بدءاً من وزارة الثقافة المعنية بالتوثيق، ووزارة التربية والتعليم التي يمكنها إدماج المهارات الحرفية ضمن المناهج التعليمية، وصولاً إلى وزارة السياحة التي يقع على عاتقها إبراز هذا التراث في المحافل السياحية والثقافية، معرباً عن استعداد المدربين المتخصصين لتدريب الأجيال وتمكينهم من خلال دورات مجانية ميسرة لجميع الراغبين.
ودعا عربش المجتمع المحلي إلى تعزيز الوعي بأهمية حماية التراث السوري المادي واللامادي، واستثماره في المنصات الرقمية للترويج له وتعليمه ونقله للأجيال القادمة.
سانا