يشير تعويم العملة إلى جعل سعر صرف العملة الوطنية يتحرك بحرية وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق من دون تدخل مباشر من قبل الدولة، وهناك نوعان رئيسيان من التعويم، الكامل الحر تترك فيه الدولة السوق يحدد السعر من دون أي تدخل، والتعويم المُدار يسمح للسوق بتحديد السعر ضمن حدود معينة، مع تدخل البنك المركزي عند الحاجة لتصحيح الانحرافات.
في السياق السوري، يُطرح خيار التعويم المُدار كحل محتمل، إذ يحتفظ مصرف سوريا المركزي بحق التدخل لتجنب التقلبات الحادة.
أما التجارب الدولية الحديثة في تعويم العملة المحلية، مثلاً في مصر منذ 2016 – حتى الآن، واجهت أزمة في النقد الأجنبي وتراجعاً في احتياطيات البنك المركزي ما أدى إلى تعدد أسعار الصرف وانتعاش السوق السوداء.
وفي تشرين الأول 2016، قرر البنك المركزي المصري تعويم (حر) للجنيه المصري بشكل مفاجئ، مع تدخل جزئي في السوق لضبط التقلبات، وعليه كانت من الآثار الإيجابية: اختفاء السوق السوداء تقريباً، زيادة الاحتياطي الأجنبي، تحسن الثقة الدولية، توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
أما الآثار السلبية – تضخم مرتفع في البداية، تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، حاجة لحزم حماية اجتماعية.
بالنسبة للدروس المستفادة لسوريا: ضرورة التحضير المسبق ومراعاة البعد الاجتماعي، ولا بد من وجود احتياطي نقدي كافٍ، وبرنامج إصلاح اقتصادي شامل، وتعاون مع مؤسسات دولية، لتجنب التضخم الحاد.
وفي لبنان بين 2022-2023 وبعد سنوات من تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، انفجر النظام المالي، وانهارت الليرة في السوق الموازية، وعليه انتقل مصرف لبنان المركزي إلى نوع من التعويم المُدار، إذ أطلق منصة “صيرفة” لتحديد السعر بناء على قوى السوق مع تدخل يومي، وكان لذلك آثار إيجابية وكانت محدودة حيث وفرت المنصة بعض الشفافية، وقلصت الفجوة مع السوق السوداء بشكل مؤقت.
أما الآثار السلبية فكانت كبيرة: تمثلت في غياب الثقة، انعدام الشفافية، تدخلات غير منتظمة، غياب إصلاحات مرافقة، استمرار انهيار العملة، بسبب التدخل الفوضوي وغير الشفاف.
إن غياب الإصلاح يضيع نتائج أي سياسة نقدية، وإن التعويم من دون مؤسسات قوية، ومن دون ثقة عامة أو شفافية، يؤدي إلى مزيد من الفوضى.
نلاحظ من التجارب السابقة أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتجارب تعويم العملة كما في مصر، لبنان كانت متباينة، وتعتمد إلى حد كبير على طريقة التنفيذ، والبيئة الاقتصادية، والإجراءات المصاحبة.
في حالة سوريا، الاقتصاد هش، والبيئة غير مستقرة، فإن التعويم المُدار المشروط، مع استعداد مؤسسي قوي، هو الخيار الأنسب، شرط أن يتم ضمن خطة إصلاح اقتصادية شاملة ومعلنة بوضوح. سوق الصرف في سوريا
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية في جامعة القلمون نهاد حيدر قال لـ “الثورة”: سوق الصرف في سوريا يعاني من عدة اختلالات، ومنها تعدد أسعار الصرف: السعر الرسمي، سعر الحوالات، السعر في السوق السوداء.. وكذلك شُحّ القطع الأجنبي نتيجة العقوبات وتراجع الصادرات والتحويلات، وأيضاً ضعف الثقة بالعملة المحلية وكذلك ارتفاع مستويات الدولرة، وتدخلات متقطعة من قبل المصرف المركزي دون شفافية أو إطار واضح.
وبحسب حيدر- يوجد فرص تعويم العملة المُدار في سوريا رغم المخاطر، هناك بعض الفرص التي قد يقدمها التعويم المُدار والمشروط في السياق السوري ومنها تقليص السوق السوداء: توحيد سعر الصرف عبر آلية سوقية قد يقلص الفجوة مع السوق الموازية.
وتحفيز التحويلات الخارجية: السعر السوقي الحقيقي قد يشجع السوريين في الخارج على إرسال الحوالات عبر القنوات الرسمية.. وكذلك جذب الاستثمار بوجود سعر صرف واقعي ومستقر نسبياً قد يخلق بيئة أكثر وضوحاً للمستثمرين، وإدارة مرنة للأزمات بحيث يسمح للمصرف المركزي باستخدام أدوات نقدية أكثر تنوعاً وتكيفاً.
ورداً على سؤالنا عن التحديات والمخاطر للتعويم المدار للعملة، قال: إن تعويم العملة في سوريا لا يخلو من التحديات الجسيمة، أبرزها: غياب احتياطي نقدي كافٍ، فالمصرف المركزي يفتقر إلى احتياطات كبيرة من الدولار تمكنه من التدخل عند الحاجة. ومن التحديات، والكلام للخبير الاقتصادي، البيئة الاقتصادية غير المستقرة “التضخم”، وانعدام الإنتاج المحلي،
وتراجع الثقة العامة كلها عوامل تفاقم من خطر التعويم، وضعف مؤسسات الدولة فغياب الشفافية والمساءلة يعقّد من إمكانية تطبيق سياسات نقدية فعالة، إضافةً إلى التضخم الجامح فتحرير سعر الصرف بدون إجراءات مرافقة قد يؤدي إلى انفلات الأسعار بشكل كبير.
شروط النجاح
وأشار أنه لنجاح تجربة تعويم العملة المُدار في سوريا، لا بد من توفر مجموعة من الشروط ومنها استقرار سياسي نسبي يسمح بتطبيق إصلاحات اقتصادية، وتعزيز احتياطي القطع الأجنبي من خلال دعم الصادرات والتحويلات، وكذلك إصلاح بيئة المؤسسات النقدية وزيادة استقلالية وشفافية المصرف المركزي،
إضافةً إلى توازي السياسات النقدية والمالية عبر ضبط الإنفاق العام وتحسين الجباية الضريبية، والتدرج في تعويم الليرة وليس التعويم المفاجئ، وكذلك وضع برامج حماية اجتماعية فعالة تخفف من آثار تحرير الأسعار على ذوي الدخل المحدود، والدعم الدولي (مثل برامج صندوق النقد) لتوفير الغطاء المالي والثقة الدولية.
وفقاً للدكتور حيدر، وبناء على ما سبق فإن محاكاة الحالة في سوريا تتلخص في الأثر، أي النتيجة المتوقعة في سوريا، فإن الشرط لتخفيف التضخم مرجح بقوة عبر رقابة على الأسعار ودعم المواد الأساسية، وبرامج دعم مباشر للشرائح الضعيفة
السوق السوداء- تقلص محتمل-
شفافية في سياسة الصرف وتوفير الدولار الرسمي
الاستثمار- تحسن ممكن-إذا توفرت الشفافية والضمانات
الاستقرار الاجتماعي
وبرأي- دكتور العلوم المالية والمصرفية- إن تعويم العملة في سوريا، ولو ضمن إطار مُدار، يمثل سلاحاً ذا حدّين، فبينما قد يشكّل خطوة نحو إعادة التوازن لسوق الصرف، إلا أنه يتطلب بيئة اقتصادية ومؤسساتية متينة تضمن استقراره وفعاليته، وعليه لا يمكن اعتبار التعويم حلاً سحرياً، بل جزء من حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة تحتاج إلى إرادة سياسية، ودعم دولي، وثقة داخلية، على حد قول حيدر.
صحيفة الثورة
