
مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة هذا الصيف، وتكرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في أغلب المناطق السورية، تحولت الألواح الثلجية من سلعة عادية إلى حاجة يومية ملحّة، يلجأ إليها السوريون لمواجهة لهيب الصيف والحدّ من تلف الأدوية والمأكولات. وقد انتعشت مبيعاتها على نحو غير معتاد، وسط معاناة إنسانية وأعباء مالية متزايدة.
في دمشق، يقول خالد التناوي، رب عائلة من حي الميدان، لـ”العربي الجديد”: “لم نعد نعرف كيف نتحمل الحرارة، والثلاجة الكهربائية المخصصة لتبريد الطعام لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء. كل يوم نشتري ألواح ثلجٍ نضعها في ثلاجتنا، ورغم أنها بالكاد تحافظ على برودة بسيطة، لكنها تساعد في حماية الأدوية والأطعمة من التلف”.
وتوضح زينة درويش، صاحبة محل بقالة بحي المزّة لـ”العربي الجديد” أن “الطلب على ألواح الثلج ازداد بشكل كبير، خصوصاً لدى العائلات الكبيرة التي تخشى خسارة مأكولاتها. غير أن الأسعار ارتفعت كذلك، وحتى الثلج صار نادراً أحياناً، ما يؤثر علينا وعلى الزبائن”.
وفي ريف دمشق، يقول محمد جمعة، وهو أستاذ في مدرسة ابتدائية: “مع استمرار انقطاع الكهرباء، أصبح من الصعب تحضير وجبة متكاملة، لذا نعتمد على الثلج لتخزين الخضار واللحوم. وبدونه يخسر الكثيرون ما تبقّى من قُوتهم”، ويبدي لـ”العربي الجديد” خوفه على أولاده من المرض جراء تلف الطعام وارتفاع درجات الحرارة التي لا ترحم.
وتجد الأسر محدودة الدخل نفسها أمام عبء مالي إضافي، إذ يضطر البعض لتخصيص جزء كبير من مدخوله الشهري لشراء الألواح الثلجية، وسط ارتفاع أسعار معظم المواد الأساسية. كما أن خطر تفشي الأمراض المعوية يزداد مع فساد الأطعمة، خصوصاً في ظل ضعف الوصول إلى مياه نظيفة. ويلجأ بعض السكان إلى شراء ألواح ثلج من مصادر غير موثوقة، ما قد يعرّضهم لمخاطر التلوث.
ويتحدث ناشطون بيئيون عن تزايد النفايات البلاستيكية الناتجة من تغليف الألواح، إضافة إلى استهلاك كميات كبيرة من المياه في تصنيعها، وهو ما يثير تساؤلات حول الاستدامة في بلد يعاني من شح الموارد. ففي أسواق دمشق وريفها، تختلف أسعار الألواح تبعاً للحجم ومصدر المياه، حيث إن القطع الكبيرة المصنوعة من مياه الشرب تُباع بين 5 و7 آلاف ليرة سورية (نحو نصف دولار أميركي)، بينما تُباع القطع الصغيرة بحوالي 3 آلاف ليرة (نحو ربع دولار).
أما الألواح المنتَجة من مياه الآبار والتي لا يُنصح باستخدامها لتبريد المشروبات لاحتمال تلوثها، فيراوح سعر القطعة الكبيرة منها بين 4 و6 آلاف ليرة (نحو نصف دولار أو أقل)، مع بقاء الصغيرة عند حدود 3 آلاف ليرة. وتُباع أكياس الثلج الصغيرة (600 – 800 غرام) بأسعار بين ألفَي ليرة و6 آلاف ليرة، بحسب المصدر والحجم.
وبالمقارنة مع دول الجوار، تبدو أسعار الألواح في سورية منخفضة نسبياً عند تحويلها إلى الدولار، لكنها مرتفعة قياساً بمتوسط الدخل المحلي. ففي لبنان، يتراوح سعر لوح الثلج الكبير بين دولار ونصف أو دولارين، وفي الأردن نحو دولارين ونصف، وفي تركيا أكثر من 3 دولارات، لكن مستويات الأجور هناك أعلى بأضعاف، ما يجعل شراء الثلج أقل عبئاً على المستهلكين.
وتحذّر الجهات الصحية من شراء الألواح غير الموثوقة المصنوعة من مياه غير معقمة، لما قد تسببه من أمراض، وتوصي الأسر بالحصول عليها من مصادر آمنة، خصوصاً في فصل الصيف الحار الذي تتزايد فيه الحاجة إلى التبريد. ويرى الدكتور نادر ناصف، الخبير في مجال الطاقة، أن أزمة الكهرباء في سورية ليست جديدة لكنها ازدادت حدة هذا الصيف.
ويقول لـ”العربي الجديد”: “الشبكة الكهربائية تعاني أضراراً كبيرة نتيجة سنوات الحرب وقلة الصيانة، إضافة إلى نقص الوقود لتشغيل محطات التوليد”. ويوضح أن الانقطاع شبه اليومي للكهرباء يدفع الناس إلى البحث عن بدائل، وفي مقدمتها الألواح الثلجية، لكن الطلب المفاجئ تسبب باختناقات في السوق وارتفاع الأسعار، ما يزيد الضغوط على الأسر ذات الدخل المحدود.
ويشدد ناصف على أن الاعتماد على الألواح ليس حلاً دائماً، داعياً إلى إصلاحات شاملة في قطاع الكهرباء، تشمل إعادة تأهيل المحطات وتحسين شبكات النقل والتوزيع وضمان توفير الوقود. ويؤكد ضرورة مبادرة الحكومة والمجتمع الدولي لإيجاد حلول مستدامة، لأن استمرار انقطاع الكهرباء لن يؤثر فقط على مستوى المعيشة، إنما سيهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد”.
العربي الجديد- نور ملحم