محليات

الأحياء الشرقية في حلب.. بين غياب الخدمات وتراكم الأنقاض والنفايات

يعيش سكان الأحياء الشرقية من مدينة حلب ظروفاً صعبة تتسم بانقطاع شبه دائم للكهرباء والمياه، إضافة إلى تراكم القمامة والأنقاض في الشوارع، ما جعل الحياة اليومية للأهالي أشبه بصراع مستمر لتأمين أبسط مقومات المعيشة. 

ويشكو السكان من غياب التيار الكهربائي لساعات طويلة، ما يعرقل نشاطهم اليومي ويزيد من اعتمادهم على المولدات الخاصة التي ترتفع تكلفتها بشكل كبير. كما أن مياه الشرب لا تصل إلا بشكل متقطع، الأمر الذي يدفع العائلات إلى شراء صهاريج مياه بأسعار تثقل كاهلها.

وقال أحمد النحاس، أحد سكان حي الصاخور في حلب، أن معاناته اليومية تبدأ منذ ساعات الصباح الأولى مع انقطاع الكهرباء وغياب المياه عن منزله. ويضيف أن ما يتقاضاه من راتب لا يكاد يغطي تكاليف شراء مياه الشرب من الصهاريج وتشغيل المولد، حيث يضطر إلى إنفاق ما يقارب نصف دخله الشهري على هذه الاحتياجات الأساسية.

مشيراً إلى أن الوضع الحالي “لم يعد محتملاً”، خاصة أن عائلته المكونة من خمسة أفراد تعيش في ظروف “غير إنسانية، وغياب أي حلول جذرية من قبل الجهات المعنية إلى الآن يجعل الأهالي في حالة استنزاف دائم، سواء مادياً أو نفسياً، واستمرار هذه الأوضاع قد يدفعهم كما الكثيرين للتفكير في النزوح مجدداً”.

أما مرام الشيخ، وهي من سكان حي الشعار، فتقول إن مشاهد القمامة المتراكمة أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية، لدرجة أن الأطفال باتوا يلعبون في الشوارع المحاطة بالنفايات والأنقاض. وتشير إلى أن الروائح الكريهة لا تفارق الحي، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يضاعف من معاناة الأهالي. 

وتنوه إلى أن الخوف الأكبر لدى العائلات هو من تفشي الأمراض بين الأطفال، نتيجة انتشار الحشرات والجرذان والكلاب الضالة حول أماكن تراكم القمامة. وتشعر الشيخ بأنهم متروكون لمصيرهم، من دون أي تدخل جاد من الجهات المسؤولة لإزالة النفايات أو تنظيم حملات تنظيف دورية.

بدوره، أوضح الطبيب عبد الكريم الكامل، اختصاصي الأمراض الداخلية، أن تكدس القمامة في الأحياء الشرقية وغياب الصرف الصحي السليم يشكلان بيئة مثالية لانتشار الأمراض المعدية.

مشيراً إلى أن حالات الإصابة بالتيفوئيد والتهاب الكبد الوبائي في تزايد ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يربطه بشكل مباشر بسوء الواقع الخدمي. 

وأضاف لـ” العربي الجديد”، أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للمضاعفات الصحية، إذ باتت العيادات تسجل أعداداً متزايدة من الأمراض الجلدية والحساسية بين الصغار، نتيجة تماسهم المباشر مع التلوث في الشوارع. وأكد أن استمرار هذه الأوضاع يهدد بانتشار أوبئة يصعب السيطرة عليها في ظل محدودية الإمكانيات الطبية والدوائية.

تدني الواقع الخدمي في الأحياء الشرقية لمدينة حلب لا يترك أثره على الحياة الصحية فقط، بل يمتد ليطاول الصحة النفسية والاجتماعية للسكان، وفي هذا الإطار ترى المرشدة النفسية والاجتماعية سمر الحسين، أن تدهور الواقع الخدمي في الأحياء الشرقية يترك آثاراً طويلة الأمد على الصحة النفسية والاجتماعية للأهالي.

وتقول إن الحرمان المستمر من الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى تراكم القمامة والأنقاض في الشوارع، يولد شعوراً مستمراً بالإحباط واليأس، ويزيد من توتر الحياة اليومية، خصوصاً بالنسبة للنساء اللواتي يقضين وقتاً طويلاً في المنزل للعناية بالأطفال أو إدارة شؤون الأسرة تحت ظروف صعبة.

وتوضح الحسين أن الأطفال يعانون بشكل واضح اضطرابات سلوكية، حيث يظهر كثيرون علامات عصبية مفرطة أو عزلة اجتماعية، نتيجة العيش في بيئة غير صحية تفتقر إلى أبسط مقومات الاستقرار، كما أن هؤلاء الأطفال يفتقدون أماكن آمنة للعب وهو ما ينعكس على تطورهم النفسي. 

وتؤكد أن غياب أي دعم نفسي أو اجتماعي يضاعف شعور الأهالي بأنهم منسيون ومهمشون، ويزيد من فقدان الثقة بالجهات المسؤولة، محذرة من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تكوين جيل كامل فاقد للأمل، معرض لمخاطر نفسية واجتماعية كبيرة على المدى الطويل، مثل الانعزال الاجتماعي أو الميل إلى السلوكات العدوانية.

ولا تقتصر الحلول على تحسين الخدمات الأساسية فحسب من وجهة نظر الحسين التي تقترح أن تشمل الحلول برامج دعم نفسي واجتماعي موجهة إلى الأطفال والنساء والشباب، مع توفير مساحات آمنة للتعليم واللعب والنشاط الاجتماعي، لضمان الحد من تأثير الأزمات على الصحة النفسية للأهالي.

من جانبه، يعترف مصدر في بلدية حلب، فضل عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالتصريح، بوجود مشكلات خدمية واسعة النطاق في الأحياء الشرقية، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن تراكم الأزمات مرتبط بشكل أساسي بضعف الموارد المالية والبشرية، إضافة إلى حجم الدمار الكبير الذي لحق بالمنطقة.

وقال إن فرق البلدية تعمل بأدوات قديمة وبأعداد محدودة من العمال، الأمر الذي يجعل من المستحيل مواكبة الاحتياجات اليومية للسكان. ويضيف أن بعض الأحياء ما زالت مدمرة بالكامل وتحتاج إلى جرافات وشاحنات ضخمة لإزالة الركام، وهي معدات غير متوفرة حالياً بسبب الكلفة العالية ونقص التمويل.

ويؤكد أن خططاً وضعت لرفع الأنقاض تدريجياً وتحسين شبكات المياه والكهرباء، غير أن تنفيذها مرهون بتوفير دعم أكبر من الجهات المركزية والمؤسسات المانحة.

ويتابع المصدر أن البلدية تواجه أيضاً صعوبات لوجستية تتعلق بتأمين المحروقات اللازمة لتشغيل الآليات، فضلاً عن شكاوى المواطنين اليومية التي تتجاوز بكثير قدرة الفرق العاملة على الاستجابة لها. 

ويختم بالقول إن الحلول الممكنة في المرحلة الحالية تقتصر على “المعالجات الجزئية”، بينما يحتاج السكان إلى مشاريع استراتيجية طويلة الأمد لإعادة الخدمات بشكل كامل.

العربي الجديد- هاديا المنصور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى