
في أسواق دمشق وحلب ودير الزور، لا يزال السجاد السوري التقليدي يثير الإعجاب بجماله وزخارفه التراثية، لكنه أصبح اليوم مصدر قلق بسبب أسعاره المرتفعة، التي أصبحت عبئاً على المواطن العادي.
السجاد الذي لطالما كان رمزاً للتراث والحرف اليدوية الوطنية، تحول إلى مرآة للتحديات الاقتصادية في البلاد، وسط ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع القدرة الشرائية للأسر.
المتر الواحد من السجاد المحلي يتراوح حالياً بين 150 و250 ألف ليرة سورية، بينما تجاوزت بعض أنواع السجاد المستورد 400 ألف ليرة، فيما بلغ متوسط ارتفاع الأسعار بين 25 و30% مقارنة بموسم 2024، بحسب أصحاب المحلات.
في محل صغير بحي كفرسوسة بدمشق، تصف زينة أبو سارة، ربة منزل، إحباطها أمام الأسعار: “كنت أحلم بشراء سجادة جديدة لغرفة المعيشة، لكن كل مرة أذهب فيها إلى السوق أشعر بالصدمة. المتر الواحد أصبح يقارب قيمة إيجار شقتنا لشهر كامل. أصبحنا نفكر ألف مرة قبل أن نقرر أي عملية شراء”. (الدولار= 11 ألف ليرة).
وتضيف لـ”العربي الجديد”: “أحياناً أشعر أن الجمال والتراث أصبحا محصورين لفئة محدودة من الناس فقط”.
أما كمال النابلسي، صاحب محل تجاري، فيرى أن المشكلة أكبر من مجرد الأسعار: “الإقبال تراجع بنسبة تقارب 40% هذا العام مقارنة بالعام الماضي. الناس أصبحت مترددة، حتى السجاد المستورد الذي كان يجذب بعض الزبائن صار حلماً بعيد المنال. نحن نحاول تقديم عروض مؤقتة وتقسيط، لكن الاقتصاد لا يساعد”.
ويكمل لـ”العربي الجديد”: “بعض الأسر لا تعرف إذا كان ينبغي لها شراء الضروريات أولاً أم الاستثمار في شيء يمتد لسنوات مثل السجاد. الخيارات ضيقة للغاية”.
من جانبه، يشير فراس الخالدي، موظف حكومي، إلى انعكاسات ارتفاع الدولار وغلاء المواد الأولية على الأسر: “لم نعد نشتري إلا الضروريات اليومية. السجاد أصبح رفاهية نؤجلها باستمرار، رغم أننا نقدر قيمته التراثية والجمالية. حتى إذا أردنا شراءه، فعلينا أن ننتظر العروض أو التخفيضات، وهذا لا يحدث دائماً”.
ويضيف: “كنت أرغب في تجديد غرفة المعيشة قبل الشتاء، لكن السعر المرتفع أجبرني على الانتظار وربما إعادة التفكير في نوعية السجاد”.
على صعيد الصناعة، تشير بيانات غرفة التجارة في دمشق إلى أنّ حجم صادرات السجاد السوري بلغ نحو 1,764 طناً في عام 2020 بقيمة تقارب 2 مليون و772 ألف دولار، وكانت السعودية تستحوذ على 91,7% من هذه الصادرات، يليها لبنان بنسبة 3,1%.
ورغم غياب بيانات دقيقة لعام 2025، يُقدَّر أن صناعة السجاد تمثل حوالي 9% من إجمالي صادرات الصناعات النسيجية السورية، ما يعكس أهميتها الاقتصادية والتاريخية. أما الاستيراد، فيظل محدوداً نسبياً، ما يؤكد اعتماد السوق المحلي على الإنتاج الداخلي سواء اليدوي أو الآلي.
في ظل هذه الأرقام، يبرز الحديث عن الأسعار المحلية مقابل المستوردة. السجاد اليدوي المصنوع من الصوف والحرير، والذي يُعرف بجودته ودقّة زخارفه، أصبح يتراوح سعر المتر منه بين 250 و400 ألف ليرة سورية، بارتفاع نحو 25 إلى 30% مقارنة بالعام الماضي.
أما السجاد الآلي المحلي مثل “فريزيه” و”شانيل” و”بولستر”، فقد ارتفع متوسط سعر المتر بين 120 و200 ألف ليرة، بينما تجاوزت أسعار السجاد المستورد ذي الجودة العالية 400 ألف ليرة، خصوصاً الأنواع التركية والإيرانية والأوروبية.
ومع هذا الفارق، يبحث المواطنون غالباً عن خيارات اقتصادية حتى لو كانت على حساب بعض التفاصيل الجمالية التي تميز السجاد اليدوي.
رغم هذه الصعوبات، لم تتوقف محاولات النساجين وأصحاب المعامل لإيجاد حلول. يوضح رئيس القطاع النسيجي في سورية نور الدين سمحا: “نواجه تحديات مركبة في صناعة السجاد، بداية من ارتفاع أسعار المواد الأولية كالحرير والصوف وصولاً إلى تكاليف النقل والطاقة. نسعى لدعم المنتجين المحليين عبر وحدات الصناعات الريفية، ونشجع المعامل على تحديث تقنيات الإنتاج لتخفيف التكاليف، لكن القدرة الشرائية للمواطنين تبقى التحدي الأكبر”.
ويضيف لـ”العربي الجديد”: “صناعة السجاد السوري تمثل إرثاً ثقافياً هاماً، ومصدر رزق لعشرات آلاف العائلات. هناك جهود للترويج للسجاد عبر المعارض الداخلية والخارجية واستهداف الأسواق الجديدة، لكن الوضع الاقتصادي الراهن يجعل استمرار الصناعة تحدياً كبيراً. نحن بحاجة إلى تدخل حكومي أوسع لدعم المنتجين وضمان بقاء السجاد متاحاً للجميع”.
رغم كل هذه الصعوبات، لا يزال السجاد السوري يحتفظ بسحره التراثي، ويواصل النساجون نسج الخيوط على الأنوال اليدوية، حرصاء على نقل مهاراتهم للأجيال القادمة.
وبينما يحاول المواطنون التكيف مع الأسعار المرتفعة، يسعى المنتجون للحفاظ على صناعة شكلت علامة فارقة للهوية السورية، مؤكدين أن جماليات السجاد السوري لا تقاس بالأسعار فقط، بل بتاريخها وحرفيتها التي لا مثيل لها.
وسط هذا الواقع، يظل التساؤل مطروحاً: هل ستنجح صناعة السجاد السوري في الصمود أمام ضغوط السوق وارتفاع التكاليف، أم أن إرثاً عريقاً من الحرف اليدوية سيتحول إلى ذكرى يُحكى عنها فقط؟
وبينما يواصل رئيس القطاع النسيجي جهود دعم المعامل وتحفيز الإنتاج، يبقى المواطن السوري على الجانب الآخر، يزن بين جمال التراث وإمكاناته المالية المحدودة، في مشهد يعكس تماماً تحديات الاقتصاد والتراث في سورية اليوم.
العربي الجديد- نور ملحم













