
تحوّلت الأرصفة في معظم المدن السورية إلى مساحات تجارية بدلاً من أن تكون ممرات آمنة للمشاة، ودفعت البضائع الممتدة من واجهات المحلات إلى منتصف الأرصفة المارة إلى النزول إلى الشوارع، ما زاد حوادث الدهس والازدحام في ظل غياب رقابة فعلية من البلديات.
في شارع مزدحم بمدينة حلب، تضطر أمينة عبدو، وهي موظفة، للسير في محاذاة السيارات كل صباح، لأنها لا تجد طريقاً على الرصيف.
وتقول لـ”العربي الجديد”: “بات السير على الرصيف أمراً شبه مستحيل، حتى أن البسطات والأكشاك تنتشر على أرصفة أمام مدارس ومستشفيات، وكأن لا مكان للمشاة في هذه المدينة”.
وتخبر أمينة أنها شاهدت حوادث دهس بسبب اضطرار الناس إلى السير بين السيارات، وتقول: “قبل أسابيع صدمت سيارة طفلاً صغيراً كان يسير جنب والدته بعدما ضاق به الرصيف، وهذا المشهد مألوف لدرجة أن لا أحد يستغربه”.
وتعتبر أن المشكلة ليست في الباعة وحدهم، بل في غياب الرقابة البلدية، وتقول: “تنفذ البلدية أحياناً حملات لإزالة الاشغالات، لكن النتائج لا تستمر أكثر من يومين أو ثلاثة أيام، ثم تعود البسطات كما كانت، ولا متابعة حقيقية كأن حياة الناس لا تعني أحداً”.
تتابع: “يفترض أن تكون الأرصفة للمشاة، وليس لعرض بضائع أو جلوس زبائن، لكن يبدو أن القانون لا يطبق إلا على الضعفاء، بينما أصحاب النفوذ يفعلون ما يشاؤون من دون رادع”.
ولا يختلف المشهد كثيراً في مدينة حمص. يقول محمود الصالح، وهو سائق سيارة أجرة، لـ”العربي الجديد” إن “إشغال الأرصفة يزيد فوضى المرور، إذ يضطر المشاة إلى النزول إلى الطريق ما يسبب ازدحاماً متكرراً، وسببت حوادث كثيرة محاولة شخص العبور أو السير على حافة شارع لأن الرصيف محتل بالكامل”.
يضيف: “بات إشغال الأرصفة ظاهرة عامة في مدينة حمص لا تقتصر على الأسواق الشعبية فقط، بل تمتد إلى الشوارع الرئيسية حيث تعرض بضائع وأثاث وخضار وفواكه على طول الأرصفة، ما يدفع المارة إلى استخدام الطريق المخصص للسيارات.
ويتسبب هذا الأمر في ازدحام متواصل، خصوصاً في ساعات الذروة، ويزيد خطر حصول حوادث سير يقع المارة ضحاياها غالباً”.
ويذكر أن السائقين يجدون أنفسهم أيضاً في موقف صعب، إذ يضطرون إلى التمهل كثيراً أو التوقف فجأة لتجنب الاصطدام بمشاة يسيرون على أطراف الطرقات، وهم بدورهم ضحايا لغياب التنظيم والمساءلة، في حين لا تتدخل البلديات إلا في حالات نادرة، وتنفذ إجراءات شكلية لا تؤدي غالباً إلى نتائج دائمة”.
ويشير الصالح إلى أن “بعض أصحاب المحلات يتعاملون مع الأرصفة كأنها امتداد طبيعي لمحلاتهم وأملاكهم الخاصة، ويضعون بضائع ومظلات وكراسي من دون أي اعتبار لحق المارة في استخدامها. وفي بعض المناطق يتجنب المواطنون السير على الأرصفة نهائياً، ما يزيد فوضى المرور، ويحوّل الشوارع إلى مشهد مزدحم وغير منظم”.
من جهته، يقول المهندس مازن علوش لـ”العربي الجديد”، إنه “لا يمكن النظر إلى أزمة إشغال الأرصفة باعتبارها مجرد مخالفة فردية من باعة أو أصحاب المحلات، بل هي نتيجة تراكمات طويلة نجمت من غياب التخطيط الحضري السليم، وافتقار المدن السورية إلى رؤية واضحة لإدارة الفضاء العام، علماً أن الأرصفة جزء أساسي من البنى التحتية للمدينة، مثل الطرقات وشبكات المياه والكهرباء، وأي انتهاك لها ينعكس سلباً على حركة المرور وسلامة السكان”.
يتابع علوش: “يُضعف احتلال الأرصفة البنى المرورية، ويزيد الحوادث، خصوصاً أن شوارع كثيرة قديمة لم تصمم أصلاً لتحمل هذا النوع من الاستخدام العشوائي. وغياب الرقابة المنتظمة، ووجود تداخل في الصلاحيات بين البلديات والجهات الأمنية والإدارية، يجعل من الصعب تطبيق القوانين بشكل عادل ومستدام”.
ويرى أن “بعض الحلول الجزئية، مثل فرض غرامات أو تنفيذ حملات مؤقتة، لا تعالج الجذور الفعلية للمشكلة، ويطالب بإعادة النظر في تنظيم الأسواق، وإنشاء مناطق مخصصة للبائعين المتجولين، وتحفيز البلديات على استخدام التقنيات الحديثة في الرقابة الميدانية، مثل تطبيقات التبليغ عن الاشغالات عبر الهواتف الذكية”.
ويشدد على ضرورة إشراك المجتمع المحلي في إيجاد حلول من خلال “برامج توعية المواطنين أهمية احترام الحق العام، وإبراز العلاقة بين سلامة الأرصفة والمشاة”.
مؤكداً أن “تنظيم المدينة يبدأ باحترام التفاصيل الصغيرة، مثل حق الإنسان في السير بأمان على رصيف خالٍ من العوائق، وهذا أضعف الإيمان”.
العربي الجديد- هاديا المنصور













