هل ما زالت ليبيا أولوية على أجندة المجتمع الدولي؟

اتّسعت رقعة الأزمات في العالم، وتعددت شواغل القوى الكبرى، فبعد أن كانت الجهود الدولية تتركز على قضايا محددة، ازدادت محاور الخلاف حول ما قد يعيد طرح السؤال؛ هل ما زال ملف القضية الليبية أولوية على أجندة المجتمع الدولي؟

والأزمة الليبية ظلّت تحتل أولوية كبيرة على ما يبدو من المجتمع الدولي منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، فجالت عواصم إقليمية ودولية، لكنها ما زالت تراوح مكانها حتى الآن، باستثناء جهود أممية حثيثة لجهة عقد الانتخابات.

الآن، بعد اشتعال جبهة حرب جديدة بين إسرائيل وإيران، يتخوف الليبيون من أن قضيتهم المُعلّقة رهن الانقسام السياسي، والفوضى الأمنية، قد يطويها النسيان، فيظل الوضع على ما هو عليه من «جمود»، أو تطوله نيران هذه الأزمات، فيزداد تعقيداً.

كثيرون من المتابعين والمحللين المحليين والدوليين يرون أن الملف الليبي بات غائباً إلى حد ما عن أولويات العواصم الغربية خلال الأشهر الماضية، على رغم تحرك المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، داخلياً وخارجياً لإحياء العملية السياسية «الميتة».

والردّ السريع على هذا التخوّف الليبي جاء على لسان المبعوثة الأممية السابقة إلى البلاد ستيفاني ويليامز، التي قالت إن «إحدى أهم القضايا الحرجة التي واجهتها المنطقة في الآونة الأخيرة تتعلق بتهميش الملف الليبي في الأجندات الدولية».

وتضيف ويليامز، في حوار مع وكالة «نوفا» الإيطالية: «كانت المشكلة أن ليبيا لم تعد أولوية سياسية في جميع العواصم تقريباً. غالباً ما كانت القرارات المتعلقة بالملف الليبي خاضعة لاعتبارات سياسية ثنائية مع جهات فاعلة رئيسية في المنطقة».

وتلفت إلى أنه «من الضروري الآن أن تعود ليبيا إلى كونها أولوية سياسية في العواصم الدولية الرئيسية. اليوم، هناك فرصة حقيقية لإعادة ليبيا إلى صميم جدول الأعمال».

ويفترض أن يلتئم اجتماع لجنة المتابعة الدولية لعملية برلين «IFCL» بخصوص ليبيا في العاصمة الألمانية، في يونيو (حزيران) الحالي، بحضور البعثة الأممية.

جانب من تخوف الليبيين مرجعه إلى أنهم يعدّون بلدهم «ساحة من ساحات المواجهات المستمرة منذ السنوات الماضية حتى اليوم بين دول كبرى وإقليمية تعمل على رسم عالم جديد».

ويعتقد أستاذ القانون والباحث السياسي الليبي، رمضان التويجر، أن هناك «شبه إجماع بين القوى الدولية على تجميد حالة الصراع في ليبيا بين الأطراف المتنازعة».

ويرى، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن هذا الأمر «أدّى إلى سلام نسبي ووضع أمني هشّ»، لكنه مع ذلك يقول إن «بلده مرشح ليكون ساحة من ساحات المواجهة بين الأطراف الدولية حال استمرار الصراع الراهن».

ويليامز، التي غادرت منصبها في نهاية يوليو (تموز) عام 2022، تتحدث عن أن «الليبيين أنفسهم يدعون قوى أجنبية إلى بلدهم، وهم بذلك يعرضون سيادتهم للخطر»، مشددة على أن «الوضع الهشّ» في ليبيا يتطلب الآن، أكثر من أي وقت مضى، قيادة أوروبية قادرة على اقتراح حلول شاملة وحقيقية، لا تُراعي المصالح الآنية فحسب، بل تُعنى أيضاً بإحلال السلام الدائم والمستدام.

وتعيش العاصمة الليبية طرابلس وضعاً أمنيّاً هشّاً إثر اقتتال بين قوات شبه رسمية، وميليشيات مسلحة، انتهى بتوقيع «هدنة» تعتريها «الخروقات» من وقت إلى آخر.

وحول ما إذا كان هناك اتفاق دولي على شكل الأوضاع في ليبيا، قال التويجر: «هذا الأمر غير موجود في الظرف الراهن. وفي أفضل الأحوال، وفق المشهد الحالي – بكل أسف – هو بقاء ليبيا بشكلها الحالي منقسمة على نفسها بسلطات متعددة. ونتمنى أن تعي الأطراف الليبية خطر ذلك، وتعمل على توحد البلاد».

ويترقب ليبيون مجريات الصراع الدولي الراهن لقياس مدى تأثير ما يحدث على الوضع الداخلي، ويقول التويجر: «إذا توسعت حالة الصراع والحرب، فإن ليبيا ستكون إحدى هذه الساحات».

وكان من المفترض أن يجري مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والشرق الأوسط والمستشار الرفيع المستوى لأفريقيا، زيارة إلى ليبيا هذا الأسبوع، لكن وزيراً بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة يقول لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن لم يثبّت الموعد، بسبب التطورات في المنطقة».

وبرغم اعتقاد البعض أن القضية الليبية لم تعد تمثّل أولوية قصوى لدى المجتمع الدولي، كما كانت في سنوات سابقة، فإنه لا يمكن القول إنها غابت تماماً عن الاهتمام الدولي.

وإذا كانت ملفات عدة استحوذت على اهتمام أطراف دولية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحرب الإسرائيلية على غزة، والتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر، فإن محللين يرون أن «الحسابات الدولية، ومصالح بعض الأطراف الدولية والإقليمية» ستُبقي الملف الليبي حاضراً على طاولة المفاوضات.

ورأت ويليامز أن روسيا وتركيا تعملان الآن في سياق «نوع من السيادة المشتركة» على الأراضي الليبية.

وتسعى الأولى إلى ترسيخ نفوذها في جنوب البلاد وشرقه، عبر أدوات عسكرية وشبه رسمية، فيما تعزز أنقرة حضورها غرباً من خلال الاتفاقيات الأمنية والوجود اللوجستي، ما يطرح سؤالاً مفتوحاً حول طبيعة الدورين؛ هل هو تقاسم مدروس للمصالح، أم صراع مؤجّل تحت غطاء الدبلوماسية؟

الشرق الأوسط

Related Posts

من النووي إلى الطاقة.. لا محظورات في الحرب الإسرائيلية الإيرانية
  • يونيو 15, 2025

استمر القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران لليوم الثالث على التوالي وسط مخاوف متزايدة من اتساع الصراع ضمن أكبر مناطق إنتاج النفط الرئيسية في العالم، ويبدو أن الحرب الدائرة لا توجد…

Continue reading
إسرائيل أَم إيران… من الأقوى عسكرياً؟
  • يونيو 15, 2025

تصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل بعدما شنت الأخيرة هجوماً واسعاً على مواقع عسكرية ونووية في الأولى، يوم الجمعة، ما أدى إلى تبادل هجمات انتقامية دامية خلال الأيام الثلاثة الماضية. فكيف…

Continue reading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تكنولوجيا

“جوجل سيرش” يرد على استفسارات المستخدمين صوتياً

  • يونيو 15, 2025
“جوجل سيرش” يرد على استفسارات المستخدمين صوتياً

سوريا تطلق مشروع “برق نت” لتوفير الإنترنت فائق السرعة

  • يونيو 15, 2025
سوريا تطلق مشروع “برق نت” لتوفير الإنترنت فائق السرعة

«مايكروسوفت أوفيس».. ميزات جديدة لعمل أسهل وأسرع

  • يونيو 14, 2025
«مايكروسوفت أوفيس».. ميزات جديدة لعمل أسهل وأسرع

«أبل» المتأخرة في الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات معقّدة

  • يونيو 8, 2025
«أبل» المتأخرة في الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات معقّدة

جيميني.. تلخيص ذكي لرسائلك في Gmail

  • يونيو 8, 2025
جيميني.. تلخيص ذكي لرسائلك في Gmail

الميكروويف والمرايا… 5 أشياء تُضعف الواي فاي في منزلك

  • يونيو 7, 2025
الميكروويف والمرايا… 5 أشياء تُضعف الواي فاي في منزلك

«ويكي توك»… تجربة معرفية على طريقة «تيك توك»

  • يونيو 7, 2025
«ويكي توك»… تجربة معرفية على طريقة «تيك توك»

سوريا تبحث مع شركات خليجية مشروع الألياف الضوئية

  • يونيو 5, 2025
سوريا تبحث مع شركات خليجية مشروع الألياف الضوئية

الذكاء الاصطناعي هل يحل محل الـ«HR»؟

  • يونيو 4, 2025
الذكاء الاصطناعي هل يحل محل الـ«HR»؟

التنافر المعرفي البشري يظهر في نموذج للذكاء الاصطناعي

  • يونيو 3, 2025
التنافر المعرفي البشري يظهر في نموذج للذكاء الاصطناعي