هجوم أوكراني يتحدى “خطوط بوتين الحمراء”.. ماذا بعد استهداف سيبيريا؟

في تصعيد غير عادي يقارب في صداه التوغل الأوكراني في كورسك الروسية مطلع أغسطس/آب 2024، نفذت كييف عملية واسعة النطاق ضد طائرات عسكرية رابضة على الأرض في العمق الروسي، حيث استهدفت خصوصاً قاعدة في شرق سيبيريا على بعد 4300 كيلو متراً بعيداً عن جبهات القتال المحتدمة.

وأكدت روسيا الهجوم الذي أظهرته صوراً متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت في بيان أن النيران اندلعت في عدد من طائراتها العسكرية، جراء هجوم واسع بمسيّرات أوكرانية، مشيرة إلى توقيف مشتبه فيهم على علاقة بالهجوم.

وقالت وزارة الدفاع الروسية على تيلغرام «في منطقتي مورمانسك وإيركوتسك، اشتعلت النيران في طائرات عدة بعد إطلاق مسيّرات من منطقة مجاورة مباشرة للمدرجَين»، مضيفة أنّ هذه الهجمات لم تسفر عن سقوط ضحايا، بينما تمّ توقيف «مشاركين».

تخطيط قديم

يأتي ذلك فيما أعلنت أوكرانيا أنّ أراضيها استُهدفت ليلاً بـ472 مسيرة روسية في عدد قياسي منذ بدء الحرب، وبينما من المنتظر أن يصل وفدان روسي وأوكراني إلى إسطنبول الاثنين، لإجراء جولة ثانية من المفاوضات.

واستهدفت إحدى الهجمات الأوكرانية مطار بيلايا في منطقة إيركوتسك في شرق سيبيريا على بعد نحو 4300 كيلومتر من أوكرانيا. وأكدت السلطات الروسية حدوث هجوم بطائرات بدون طيار على المنطقة، من دون الإشارة إلى القاعدة.

وفيما تنفذ أوكرانيا بانتظام هجمات بمسيّرات على الأراضي الروسية، إلا أنّ هذا الهجوم هو الأول على هذه المسافة البعيدة عن الجبهة.

وقال مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية إنّ كييف تنفذ الأحد «عملية خاصة واسعة النطاق» تم التخطيط لها منذ فترة طويلة واستهدفت أربعة مطارات عسكرية في جميع أنحاء روسيا.

وأكد المصدر أنّ 41 طائرة روسية تعرّضت لأضرار، مشيراً إلى أنّها كانت تُستخدم لضرب المدن الأوكرانية.

وأرفق تصريحاته بمقطع فيديو قال إنّه يُظهر هذا المطار، حيث يمكن رؤية العديد من الطائرات تحترق، مع أعمدة من الدخان الأسود تتصاعد منها.

ولم تتمكن وكالة فرانس برس من التحقق من هذه المعلومات بشكل مستقل.

من جانبه، أشار حاكم منطقة إيكوستك إيغور كوبزيف الأحد إلى «هجوم بمسيّرات» على قرية سريدني، المجاورة لقاعدة بيلايا.

وقال «هذا أول هجوم مماثل في سيبيريا»، داعياً السكان إلى عدم «الاستسلام للذعر».

ونشر مقطع فيديو يبدو أنّه تمّ تصويره من قبل بعض السكان، يُظهر طائرة من دون طيار بينما كانت تحلّق وسحابة دخان كثيفة من مكان بعيد.

وأشار المصدر الأوكراني إلى أنّ الهجوم استهدف مطار أولينيا الواقع في المنطقة القطبية الشمالية التابعة لروسيا، على بعد نحو 1900 كيلومتراً من أوكرانيا.

وأكد حاكم منطقة مورمانسك أندريه تشيبيس أن «مسيّرات عدوّة» كانت تحلّق في السماء، مشيراً إلى تفعيل المضادات الجوية.

خطوط بوتين الحمراء

ورغم أن الكرملين لم يصدر حتى الآن أية تعليقات حول كيفية الرد على هذا الهجوم الجريء، إلا أن محللون يرون استهداف العمق الروسي ولاسيما عن بعد 4300 كيلو متر بعيد عن جبهات القتال، يمثل انتهاكاً خطيراً لخطوط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحمراء التي وضعها بنفسه، والتي حذر في طياتها من أن هجمات في العمق قد تتسبب في حرب عالمية ثالثة.

وأشار المحللون إلى خطورة تلك الهجمات التي ستكلف روسيا قرابة 7 مليارات دولار بحسب أوكرانيا، إذ من الممكن أن تثير غضب موسكو، ما يدفعها لتنفيذ هجمات انتقامية على كييف أو حتى عرقلة الجهود التي تقودها الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب لدرء احتمالات توسع الصراع، وصولاً لوقف الحرب كلياً، إذ تأتي هذه العملية عشية مفاوضات متوقعة بين روسيا وأوكرانيا في تركيا، كانت قد اقترحت موسكو إجراءها في وقت سابق هذا الأسبوع.

لماذا التصعيد الآن

ويرى خبراء عسكريون أن التصعيد الأخير بين الجارتين له أهداف عدة، ولاسيما في ظل جولة مفاوضات ستجري في تركيا، إذ توسّع روسيا عمليتها العسكرية باتجاه مدينة خاركيف ومنطقة سومي الواقعة شمال شرق أوكرانيا، بهدف إقامة المنطقة العازلة التي تكلم عنها الرئيس فلاديمير بوتين في المنطقتين،

كما تدمر بنى أوكرانيا التحتية لإجبارها على الموافقة على الشروط الروسية التي تضعها خلال المفاوضات بينهما، إضافة إلى محاولة استنزاف القدرات العسكرية الأوكرانية، خاصة الجوية منها، حيث أطلقت اليوم مثلا 472 مسيّرة باتجاه الأراضي الأوكرانية وصواريخ، أحدها أصاب مركز تدريب وأدى إلى مقتل 12 شخصاً وجرح ما يقارب 60.

وتسعى موسكو من خلال التصعيد الذي تمارسه إلى السيطرة على الأراضي وعلى الموارد الأوكرانية، إضافة إلى استنزاف الغرب، فيما تسعى أوكرانيا من خلال التصعيد المتواصل وكسر الخطوط الحمراء التي وضعتها موسكو في هذه الحرب إلى أثبات مبدأ قدرتها على المقاومة وتحسين أوضاعها على الأرض خصوصاً بعد خسارتها جولة كورسك التي وصفها المحللون بأنها «أهم أوراق كييف الرابحة» منذ اندلاع الحرب في فبراير/ شباط 2022.

محادثات إسطنبول إلى أين ؟

ويظل تهديد مسيرة المفاوضات الجارية في تركيا بين موسكو وكييف، لاسيما بعد الإعلان الأمريكي بإحراز تقدم ملموس، «أكبر خطر» يراه المحللون قد يتسبب فيه التصعيد الأخير، إذ تبدو فرص استمرار المفاوضات في ضوء المعطيات الحالية، محدودة للغاية، بل يُحتمل أن تدخل هذه المفاوضات مرحلة من الجمود أو التوقف المؤقت، خصوصاً في ظل غياب إشارات واضحة على وجود نية حقيقية من الطرفين في التسوية.

وتوجه وفد روسي الأحد إلى إسطنبول، حسبما أفادت وكالات أنباء روسية رسمية نقلاً عن مصادر لم تحدده، وقال مصدر لوكالة تاس إن «فريق التفاوض غادر إلى إسطنبول».

وفي وقت سابق الأحد، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بدوره أن وفداً أوكرانيا سيتوجه إلى المدينة التركية للغرض نفسه، بعدما كانت كييف قد أبقت الشكوك قائمة بشأن مشاركتها.

وأكد زيلينسكي أنّ الأولويات بالنسبة إلى أوكرانيا هي التوصل إلى «وقف كامل وغير مشروط لإطلاق النار»، إضافة إلى «إعادة الأسرى» والأطفال الأوكرانيين الذين تتهم كييف موسكو باختطافهم.

وأجرى الوفدان الروسي والأوكراني جولة أولى من المحادثات في إسطنبول في 16 مايو/أيار، بهدف إنهاء الحرب التي اندلعت في 22 فبراير 2022، لكن اللقاء لم يثمر عن نتائج مهمّة، ما عدا الاتفاق على تبادل للأسرى فقط.

ورغم الجهود الدبلوماسية، لا تزال مواقف أوكرانيا وروسيا متعارضة.

هل يلتقى بوتين وزيلينسكي؟

وتطالب موسكو خصوصاً بأن تتخلّى كييف نهائياً عن مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وعن المناطق الأوكرانية الخمس التي أعلنت ضمّها، في المقابل، ترفض كييف هذه الشروط، وتطالب بانسحاب كامل للقوات الروسية من أراضيها، كذلك، ترفض موسكو وقفاً غير مشروط لإطلاق النار، تدعو إليه كييف وواشنطن والدول الأوروبية.

والأحد، دعا الرئيس الأوكراني إلى «التحضير لاجتماع على أعلى مستوى»، أي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وسبق أن اقترح عقد لقاء كهذا مع بوتين، الأمر الذي لم يلقَ ترحيباً من الأخير، ومن غير المعلوم مصير الدعوة الأخيرة بعيد هذه الهجمات.

إلى ذلك، أعلن الجيش الأوكراني مقتل 12 من جنوده وإصابة أكثر من 60 آخرين بجروح في ضربة روسية على موقع تدريب.

وفي أعقاب ذلك، قال قائد سلاح البر ميخايلو دراباتي إنه قدم استقالته، مؤكداً أنه يشعر بـ«المسؤولية» إزاء هؤلاء الضحايا، وبعد هجمات دامية مماثلة في الأشهر الأخيرة.

ويواجه الجيش الأوكراني وضعاً صعباً على الجبهة، في مواجهة القوات الروسية الأفضل تسليحاً والأكثر عدداً.

والأحد، أعلنت وزارة الدفاع الروسية السيطرة على قرية صغيرة في منطقة سوما في شمال شرق أوكرانيا، وجاء ذلك فيما تخشى أوكرانيا هجوماً جديداً في هذه المنطقة.

صحيفة الخليج

  • Related Posts

    دمشق و«قسد» أمام عقبتي «الدمج» و«اللامركزية»
    • يوليو 29, 2025

    لا تزال قضيتا «الدمج» و«اللامركزية» تشكلان عقبة رئيسية أمام الاتفاق بين دمشق و«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، وفق ما أكدته مصادر متابعة في دمشق، رأت أنه من اللافت ترحيب قائد «قسد»…

    Continue reading
    مخلفات الحرب في الشمال السوري.. إرث ثقيل ينتظر الحل
    • يوليو 28, 2025

    ما زال ركام الحرب في شمال سوريا شاهدا على سنوات من القتال، ولا تقتصر معاناة سكان تلك المنطقة على مشاهدة مدنهم المدمرة، بل تمتد إلى تهديد خفي يترصد السكان في كل…

    Continue reading

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    صحة

    11 مؤشراً مبكراً على مرض باركنسون.. لا تتجاهلها!

    • يوليو 29, 2025
    11 مؤشراً مبكراً على مرض باركنسون.. لا تتجاهلها!

     أبرز الفوائد الصحية للبطيخ

    • يوليو 28, 2025
     أبرز الفوائد الصحية للبطيخ

    ما أسوأ 10 أطعمة على صحة جهازك الهضمي؟

    • يوليو 28, 2025
    ما أسوأ 10 أطعمة على صحة جهازك الهضمي؟

    3 عصائر طبيعية تخفض ضغط الدم المرتفع

    • يوليو 27, 2025
    3 عصائر طبيعية تخفض ضغط الدم المرتفع

    العنب.. يُعزّز المناعة ويقاوم الأمراض

    • يوليو 25, 2025
    العنب.. يُعزّز المناعة ويقاوم الأمراض

    5 علامات تدل على إصاباتك بالاكتئاب

    • يوليو 24, 2025
    5 علامات تدل على إصاباتك بالاكتئاب

    3 نصائح من أجل نوم جيد

    • يوليو 23, 2025
    3 نصائح من أجل نوم جيد

    الطب البديل في سوريا.. علاج شعبي ينمو رغم غياب التنظيم!

    • يوليو 23, 2025
    الطب البديل في سوريا.. علاج شعبي ينمو رغم غياب التنظيم!

    9 فواكه تخفض الكولسترول بشكل طبيعي

    • يوليو 22, 2025
    9 فواكه تخفض الكولسترول بشكل طبيعي

    هل تسبب فرقعة الأصابع التهاب المفاصل؟

    • يوليو 21, 2025
    هل تسبب فرقعة الأصابع التهاب المفاصل؟