
لم يعد من السهل على البعض في سورية بيع أملاكهم أو نقلها، حتى لو كانت أوراقهم كاملة ومعاملاتهم نظامية.
فخلف الكواليس، تدير وزارة الداخلية ملفاً حساساً يتعلّق بحق الملكية، عبر قوائم سرّية بأسماء أشخاص تقول السلطات إنهم “ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري”، ويُمنعون بموجبها من إتمام أي معاملة عقارية حالياً، إلى حين البتّ بوضعهم في وقت لاحق لم يُحدد بعد.
وبحسب معلومات حصلت عليها “العربي الجديد”، فإن وزارة الداخلية السورية سلّمت المديرية العامة للمصالح العقارية قاعدة بيانات إلكترونية بأسماء هؤلاء الأشخاص، في خطوة تهدف، كما تقول الجهات الرسمية، إلى ضبط عمليات البيع والفراغ العقاري ومنع المخالفات.
وتشمل هذه القوائم أيضاً أقارب من تُوجّه إليهم الاتهامات، من الدرجات الأولى: الآباء، الأبناء، والزوجات، ما يعني أن دائرة الحظر تمتد أحياناً لتشمل عائلات بأكملها، حتى وإن لم تصدر بحق أفرادها أي إدانات قضائية واضحة.
وأكد المدير العام للمصالح العقارية، عبد الباسط قيراطة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الوزارة باتت تعتمد على هذه القوائم ضمن نظام إلكتروني مغلق ومربوط بوزارة الداخلية، بحيث تُرصد أسماء أطراف المعاملة فورياً أثناء تقديم الطلب.
وقال قيراطة: “الموظف لا يطّلع على تفاصيل القائمة، بل النظام يُحدّد تلقائياً ما إذا كانت المعاملة ستمر أم لا، حفاظاً على الخصوصية وسرية الإجراءات”.
ورغم الجدل الدائر حول غياب المسوّغ القانوني العلني لهذا الإجراء، شدد قيراطة على أن القوائم تشمل “أشخاصاً مطلوبين لمراجعة الجهات المختصة”، من دون أن يوضح طبيعة الاتهامات أو الإجراءات المتّبعة لاحقاً.
في المقابل، أشار قيراطة إلى خطوة إصلاحية طال انتظارها، تمثّلت في إلغاء شرطَي “الموافقة الأمنية” و”براءة الذمة المالية”، وهما من أبرز المعوّقات التي عطّلت سوق العقارات السورية لسنوات.
وأوضح أن عمليات نقل الملكية تتم حالياً عبر المصالح العقارية حصراً، وبشكل مبسّط يعتمد على توصيف العقار، دون الحاجة للتنقّل بين الدوائر الرسمية كما كان سائداً في السابق.
لكن القلق لا يزال قائماً من ناحية أخرى. إذ نبّه قيراطة إلى تفشي عمليات النصب والتزوير، لا سيما تلك التي طاولت أملاكاً تعود لأشخاص يعيشون خارج البلاد ولفت إلى أن المصالح العقارية رصدت حالات بيع لعقارات صودرت بقرارات من “محكمة الإرهاب”، ثم بيعت في المزاد العلني وسُجّلت باسم الدولة،
مشيراً إلى أن عدد هذه الحالات بلغ نحو 50 عقاراً حتى الآن. وفي مواجهة هذا الواقع، تعمل الوزارة بالتعاون مع القضاء على دعم المتضررين ممن نُزعت ملكياتهم بطرق مشبوهة، وفق تعبيره.
وقال قيراطة إن المديرية توفّر للمتضررين الوثائق اللازمة من بيانات وسندات ملكية، تتيح لهم الطعن في التسجيلات غير القانونية أمام المحاكم المختصة.
من جهته، عبّر المحامي طارق الخليل، المتخصص في قضايا الملكية والعقارات، لـ”العربي الجديد”، عن قلقه من هذه الإجراءات التي وصفها بأنها “تفتقر إلى السند القانوني الواضح، وتُشكّل خرقاً لمبدأ علنية المحاكمات وحق الدفاع”.
وقال الخليل إن “منع شخص من التصرف بعقاره لمجرد وجوده في قائمة أمنية، من دون صدور حكم قضائي قطعي بحقه، يُعدّ مخالفة دستورية. الأصل هو ألا يُحرم المواطن من ملكه إلا بحكم قضائي معلن، يصدر بعد محاكمة عادلة”.
وأضاف: “الخطير في هذه الآلية هو أنها تعتمد على السرّية الكاملة، فلا يُبلّغ المواطن بأنه ممنوع من التصرف إلا لحظة فشل المعاملة، دون معرفة السبب، أو وجود حق للطعن. وهذا يخلق بيئة قانونية هشة، ويُسهّل ارتكاب التجاوزات”.
وختم المحامي بالقول إن اللجوء إلى هذه الأساليب الأمنية في إدارة الملكية العقارية قد يعرّض الدولة مستقبلاً لنزاعات قانونية داخلية وخارجية، خصوصاً في حال قرر المتضررون اللجوء إلى القضاء الدولي أو المحاكم في دول إقامتهم.
العربي الجديد