
يشهد القطاع العقاري السوري تحولات جذرية في مرحلة ما بعد التحرير، متأثراً بتقلبات العملة والسيولة والاستقرار السياسي، وسط حديث عن بيانات تظهر انخفاضاً تراكمياً في القيم تجاوز 40 بالمئة،
مع تفاوت حاد بين المناطق، ما يطرح تحدياتٍ إسكانيةً حرجة أمام الشباب في ظل الأزمات الاقتصادية المستمرة. للوقوف على واقع الأسواق.
خبير التقييم العقاري الدكتور يوسف سلوم قال في حديث لـ”الثورة” حول انخفاض أسعار العقارات في سوريا بعد التحرير: أعتقد أن قيمة العقارات انخفضت على مرحلتين:
المرحلة الأولى بسبب تحسن قيمة الليرة السورية وبنسبة وسطية تراوحت من 30 إلى 35 بالمئة من قيمتها بالليرة السورية.
المرحلة الثانية بنسبة مضافة إلى نسبة المرحلة الأولى تصل إلى 10 بالمئة و لعدة أسباب نذكر منها:
– زيادة العرض وانخفاض الطلب.
– العزوف عن الشراء بسبب قلة السيولة النقدية.
– توقف عمل الدوائر العقارية الحكومية.
دمشق في الميزان العالمي
وحول تقييمه لأسعار العقارات مقارنة بدول الجوار ودول العالم، أوضح خبير التقييم العقاري وجود تفاوت في قيمة العقارات بشكل كبير، إذ تتأثر بعدة عوامل مثل الموقع، نوع العقار، والطلب والعرض بشكل عام، مضيفاً: تعتبر دول الخليج من أغلى الأسواق العقارية في الوطن العربي، ويتراوح سعر المتر المربع وسطياً من 4000 إلى 6000 دولار،
وأما في العراق والأردن وخاصة في العواصم فيبلغ متوسط سعر المتر المربع السكني نحو 1,200 دولار وهو يقارب السعر الوسطي في دمشق، وفي تركيا بشكل عام تتراوح الأسعار بين 1000 و5000 دولار للمتر المربع للمباني السكنية، فيما في عواصم أوروبية مثل برلين وباريس ولندن يبلغ متوسط سعر المتر المربع السكني من 8000 إلى 12000 دولاراً.
من “المخالفات” إلى “الطابو”
وعن متوسط أسعار المتر المربع السكني في العاصمة قال: في دمشق هنالك تفاوت كبير بالأسعار بين مناطقها وأحيائها وحتى في توضع وموقع الأبنية السكنية فيها ووسطياً تتراوح قيمة المتر المربع السكني في المناطق التنظيمية من 1000 إلى 3000 دولاراً، وفي دمشق القديمة من 700 إلى 2000 دولار وفي المخالفات المتوضعة ضمن دمشق تتراوح من 500 إلى 800 دولار.
وحول وجود اختلاف في أسعار الأراضي الصالحة للبناء بين أطراف دمشق ووسطها، أكد وجود تفاوت كبير في قيمة الأراضي الصالحة للبناء بين دمشق وضواحيها حسب الموقع والمساحة والقرب من الخدمات وتوفر البنية التحتية.
وقال سلوم: في مدينة دمشق يمكن أن تتراوح قيمة الأراضي بين 1000 إلى 3000 دولاراً للمتر المربع، وفي ريف دمشق تكون القيمة أقل من مدينة دمشق، وقد تتراوح بين 100 إلى 400 دولاراً للمتر المربع، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك تفاوتًا كبيرًا بين المناطق المختلفة.
تكلفة البناء تحت المجهر
وعن التكلفة التقريبية لبناء متر مربع (تشطيب متوسط) في دمشق حالياً قدر الخبير تكلفة بناء متر مربع سكني (باستثناء منعكس قيمة الأرض على المتر الطابقي نظراً لاختلاف قيمتها بحسب الموقع) نحو 225 إلى 250 دولاراً متضمنة تكلفة الهيكل، مضافاً إليها تكلفة الإكساء وما يلحقها من رسوم إدارية وهندسية.
وقدر متوسط تكلفة إكساء المتر المربع السكني الاقتصادي نحو 100 دولار في دمشق وأما تكلفة الإكساء الفاخر فهي تختلف حسب مفهوم كل شخص للفخامة ونوعية مواد الإكساء والديكورات المستخدمة.
لماذا دمشق الأغلى بين المحافظات؟
وبمقارنة تكاليف البناء والتشطيب في دمشق مع باقي المحافظات السورية مثل حلب واللاذقية قال: أعتقد من خلال قراءتي لقرينة الموقع للمحافظات السورية وانعكاسها على تكاليف الأبنية فإن دمشق من أغلى المحافظات السورية بأجور اليد العاملة وتكلفة المواد بنسبة وسطية 20 بالمئة مقارنة ببقية المحافظات تليها حلب ثم اللاذقية.
وحول تأثر تكاليف البناء بالمواد المستخدمة (محلية/ مستوردة)؟ قال: إن منعكس تأثر استخدام مواد محلية أو مستوردة يحتمل وجهين فقد تكون المواد المستوردة تفي بالغاية المطلوبة وأرخص من المادة المحلية وقد يكون العكس وفي المجمل فإن تأثر تكاليف المتر المربع تختلف بحدود 10 بالمئة بحسب جودة المواد المستوردة.
التضخم وغياب الاستقرار
وبالنسبة لتأثير الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية على تقلبات أسعار العقارات في سورية، لفت إلى أن السوق العقارية تشهد تقلبات كبيرة في الأسعار بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم الاستقرار السياسي، إذ يؤدى التضخم إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع قيمة العقارات بالليرة السورية.
كما وينعكس التضخم على ارتفاع أسعار مواد البناء وبالتالي زيادة تكاليف البناء فتزداد قيمة العقارات الجديدة.
وأضاف: أما عدم الاستقرار السياسي فيؤثر على تراجع ثقة المستثمرين وزيادة المخاطر ويقلل من إقبالهم على الاستثمار في العقارات.
فالظروف الاقتصادية والسياسية في سوريا حالياً تؤدي إلى حالة من عدم اليقين، حيث يمكن أن تتفاوت الأسعار بشكل كبير بين المناطق المختلفة حسب مستوى الاستقرار والأمان والثقة بالاقتصاد والسياسة.
وحتى يكون السكن متاحاً أمام الشباب في سورية قال: لابد من إيجاد فرص عمل لتحقيق ورفع مستوى الدخل المناسب والذي من خلاله يستطيع الشباب الإيفاء بالتزاماتهم لتسديد أقساط تمويل منازلهم.
وبعد ذلك لابد أن تتبنى الحكومة مجموعة من الحلول والإجراءات التالية:
– تطوير برامج دعم التمويل العقاري.
– التشجيع على السكن منخفض التكاليف والسكن الاقتصادي من حيث المساحة والمواصفات وتفعيل مبدأ الهندسة القيمية.
– إحداث مناطق تطوير عقاري وتحفيز شركات التطوير العقاري على تضمين هذه المناطق مشاريع سكنية موجهة للشباب ولذوي الدخل المحدود.
– تنظيم برامج تعاون بين القطاع الخاص والحكومة لتوفير وحدات سكنية بأسعار مناسبة.
وبالنسبة لأبرز التحديات التي تواجه المقاولين في تنفيذ المشاريع حالياً، يرى سلوم أنه في ظل توفر اليد العاملة ومعظم المواد وآليات العمل حالياً في سوريا فإن ما يهم أي مقاول أن يعمل في ظروف آمنة مستقرة ويتم صرف وتأمين استحقاقاته بما يتناسب مع تقدم عمله والبرنامج الزمني لتنفيذ المشروع.
استقرار هشّ.. وهبوط يلوح في الأفق
وحول توقعاته للسوق العقاري السوري خلال العام القادم قال: إن حساسية السوق العقارية مرتفعة جداً لتأثرها المباشر بعدة عوامل مرتبطة بتحسن الأوضاع الأمنية والاستقرار السياسي والاقتصادي وجميع الاحتمالات من ارتفاع وانخفاض واردة على مستوى القطر بحسب استقرار المنطقة العقارية أمنياً أو عدم استقرارها،
وأما في حال الاستقرار ودخول شركات للاستثمار والتطوير العقاري والبدء بتنفيذ مشاريعها وفق شروط تمويل ميسرة وخدمات ومواصفات جيدة فإنني أعتقد أنها ستلاقي إقبالاً شديداً لأنها ستناسب ظروف وإمكانيات الغالبية العظمى من الراغبين في الحصول على السكن.
وأعتقد أن المساكن ذات القيمة العالية والمتوضعة في مراكز المدن الرئيسية سوف تنخفض قيمتها بسبب قلة الطلب عليها، ولمنافسة العقارات الجديدة في مناطق التطوير العقاري لها من حيث جودة المواصفات والخدمات وطرق التمويل، أما الأبنية القائمة وذات القيمة الاقتصادية فلن تتغير قيمتها.
الثورة- محمد راكان مصطفى