
شهدت أسواق العملات المشفرة في الأيام الأخيرة لحظة تاريخية جديدة، حيث تجاوز سعر البتكوين حاجز الـ123 ألف دولار، قبل أن يتراجع إلى 118 ألف دولار، وسط حالة من الغموض الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
وفي وقت تتراجع فيه أسواق الأسهم التقليدية، تواصل العملة الرقمية الأولى صعودها، مما يعيد فتح النقاش حول دورها المستقبلي كـ”ذهب رقمي” ومخزن للقيمة.
تحول دراماتيكي في نظرة العالم للبتكوين
يعود هذا الارتفاع اللافت إلى مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية المتداخلة، أبرزها إعلان سياسات اقتصادية أمريكية جديدة هدفت إلى إعادة تشكيل التجارة الدولية وتعزيز الاستقلال المالي. فقد تزامن ارتفاع البتكوين مع إطلاق حزمة تعريفات جمركية واسعة، دفعت المستثمرين إلى البحث عن ملاذات أكثر استقرارًا بعيدًا عن تقلبات العملات الورقية، وفقا لتقرير لـ” إندبندنت”.
وفي خطوة لافتة، تم الإعلان عن إنشاء احتياطي استراتيجي من البتكوين، ما منحها شرعية غير مسبوقة وأعاد تشكيل الصورة الذهنية العالمية تجاه العملات الرقمية، التي كانت تُصنّف سابقًا كأصول عالية المخاطر.
من أصل مضارب إلى فئة أصول استراتيجية
ويشير محللون إلى أن التحوّل الذي طرأ على سياسات كبرى المؤسسات والدول تجاه البتكوين حوّله من أداة مضاربة إلى أصل مالي يُنظر إليه كوسيلة تحوّط ضد التضخم وانهيارات العملات. ومع تبنّي بعض المؤسسات العملاقة والمستثمرين المؤسسيين للعملة الرقمية في محافظهم، بدأت البيتكوين تترسّخ كخيار استثماري طويل الأجل.
المديرون الماليون وخبراء الاقتصاد يرون أن دمج البتكوين في السياسة المالية لدول كبرى يعيد رسم خارطة الأسواق المالية العالمية، خاصةً أن العملة تتمتع بميزة نادرة: عرضها المحدود الذي لا يتجاوز 21 مليون وحدة، ما يجعلها حصنًا ضد طباعة النقود المفرطة.
البتكوين يرسّخ مكانته كبديل رقمي للذهب
لطالما تم تشبيه البتكوين بالذهب، ليس فقط بسبب محدودية العرض، بل بسبب قدرته على الحفاظ على القيمة في أوقات الأزمات. إلا أن الاستقرار النسبي في سعر البتكوين منذ مايو الماضي، وتداوله ضمن نطاق ضيّق نسبيًا، زاد من هذا التشابه، وجعل الكثيرين يعتبرونه النسخة الرقمية المثلى للذهب.
في ظل تصاعد التوترات التجارية وتراجع العملات التقليدية، بدأت المؤسسات تتعامل مع البتكوين كأداة استراتيجية للتحوط من المخاطر الاقتصادية والتقلبات الجيوسياسية.
توقعات مستقبلية: إلى أين يمكن أن يصل السعر؟
مع هذه الطفرة، تتجه الأنظار إلى ما يمكن أن يحدث في النصف الثاني من عام 2025. تشير استطلاعات ميدانية بين خبراء العملات الرقمية إلى توقعات بوصول سعر البتكوين إلى أكثر من 145 ألف دولار قبل نهاية العام، فيما يرى بعض المحللين أن السعر قد يتجاوز 450 ألف دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، مع استمرار الاتجاه الصعودي وتبني مزيد من الحكومات والمؤسسات لهذا الأصل الرقمي.
ومع ذلك، لا يخلو المشهد من أصوات متحفظة تحذر من فقاعة مضاربة محتملة، خاصةً أن السعر ما زال يتأثر بالعوامل السياسية والإعلامية بشكل كبير. ويرى بعض الخبراء أن الدعم الحكومي المؤقت قد يُضخّم السعر بشكل مصطنع، دون أن يعكس بالضرورة قيمة اقتصادية حقيقية.
عصر جديد للعملات الرقمية
سواء كان البتكوين في طريقه ليصبح معيارًا عالميًا جديدًا أو لا يزال أداة استثمارية مضاربة، فإن المؤكد أن سوق العملات الرقمية دخل مرحلة جديدة من النضج والتأثير. فالمستثمرون، الأفراد، والشركات وحتى الحكومات، باتوا جميعًا يأخذون العملات الرقمية بجدية غير مسبوقة.
في عالم يتغيّر بسرعة، ويشهد تراجع الثقة بالأنظمة النقدية التقليدية، قد يكون البتكوين أكثر من مجرد عملة رقمية… بل بداية عصر مالي جديد بالكامل.