تشكل قضية ارتفاع أجور الأطباء واحدة من أكثر القضايا التي تثقل كاهل المواطنين، ولا سيما في ظلّ غياب رقابة فعّالة وعدم وجود تسعيرة ملزمة حتى اليوم، ما أدى إلى تفاوت واضح في أجور المعاينات بين طبيب وآخر.
وبات كثيرون يشتكون من الارتفاع الكبير في أجور المعاينات الطبية، حيث أصبحت زيارة الطبيب أمراً بالغ الصعوبة، مع عدم وجود تسعيرة نقابية ملزمة، ما جعل العلاج عبئاً لا يستطيع تحمّله حتى ميسورو الحال.
وفي هذا السياق، يقول سالم الحافظ، إنه “في الماضي كنا نراجع الطبيب مباشرة، أما اليوم فلا نذهب إلا عندما يصل الألم إلى حدّ غير محتمل، واضطررت لتأجيل مراجعة طبيب الأسنان لأكثر من ثلاثة أشهر لأنني لا أستطيع دفع الكشفية ومعالجة أسناني،
فتكلِفة سحب العصب وحدها تبلغ 300 ألف ليرة، بينما تتراوح معالجة الضرس بين 500 و700 ألف ليرة، وهذا يجعلنا نبحث عن الطبيب الأرخص بدلاً من الأفضل”.
من جهتها، تعبر نادين داري عن استيائها من ارتفاع كشفية الطبيب، مشيرة إلى أنها تعيش حالة قلق دائم من المرض وتكاليفه، فكشفية طبيب الأطفال تعادل نصف راتب زوجها، وذلك “قبل الحديث عن ثمن الدواء والتحاليل، وزيارة واحدة للطبيب تجعلنا نعيش بقية الشهر بالديون”.
وتروي حنان شحرور تجربتها قائلة: “ذهبت لمراجعة الطبيب بسبب شعور عام بالوهن، دفعت مبلغاً كبيراً، ولم تستمر المعاينة أكثر من خمس دقائق، استمع خلالها للأعراض بسرعة وكتب لي وصفة طبية وتحاليل تضاهي تكلفتها الكشفية،
وطلب مني مراجعته بعد أيام، شعرت وكأنني أرتكب ذنباً لأنني بحاجة للعلاج، واضطررت للاستدانة لدفع الكشفية، ولا قدرة لدي على تحمّل المزيد”.
لماذا ارتفعت الكشفية؟
في المقابل، يتفهم طبيب الأسنان، قصي الخالد، شكوى المرضى من ارتفاع الكشفية وتكاليف المعالجة، موضحاً أن “الكشفية ليست مجرد معاينة، فقرابة 90 بالمئة من المواد المستخدمة مستوردة ومسعّرة بالدولار،
بما في ذلك الحشوات ومواد التخدير والتعقيم، وأي انخفاض في سعر صرف الليرة يضاعف تكاليف الشراء، كما أن عيادات الأسنان أكثر عرضة لنقل العدوى، ما يتطلب استخدام مواد تعقيم باهظة الثمن”.
وأشار إلى أن العمل يتطلب “كرسياً حديثاً وجهاز أشعة”، وأي عطل في هذه الأجهزة تكون كلفة صيانته مرتفعة، مؤكداً أن رفع الأسعار أحياناً يكون لتفادي إغلاق العيادة أو اللجوء لاستخدام مواد رديئة قد تضر بصحة المريض.
بدوره، يرى طبيب الداخلية، سامر الصافي، أنه “على المريض النظر إلى التكاليف الكبيرة المحيطة بالطبيب، من إيجارات تضاعفت عشرات المرات، وفواتير كهرباء وتدفئة، إضافة إلى أن معظم الأجهزة الطبية تحتاج إلى صيانة دورية”،
معتبراً أن تحميل جزء من هذه التكاليف على الكشفية “ليس رفاهية، بل ضرورة للاستمرار في تقديم خدمات لائقة.”
تسعيرة جديدة قريباً
وللوقوف على موقف النقابة، أوضح نقيب أطباء سوريا، مالك العطوي، أن النقابة عملت خلال الفترة الماضية على إعداد تسعيرة للكشف الطبي والعمليات الجراحية في المستشفيات، بالتعاون مع وزارة الصحة،
مضيفاً: “قدمنا مقترحات تراعي وضع البلد ومستويات التضخّم والأسعار بشكل عام، والقرار حالياً لدى الوزارة، وننتظر صدور التسعيرة الجديدة قريباً.”
وأشار العطوي إلى أنه بعد صدور التسعيرة سيتم مخالفة أي طبيب لا يلتزم بها، موضحاً أنه “منذ عام 2012 لم تصدر أي تسعيرة رسمية، وبالتالي لا يمكن محاسبة الطبيب حالياً على الكشفية، والمريض مخيّر بالمتابعة لدى الطبيب نفسه أو اختيار طبيب آخر”.
وفي انتظار صدور التسعيرة الجديدة، يبقى المواطن عالقاً بين ألم المرض وضغط التكاليف، مترقباً قرارات رسمية تضع حداً لصراع بات فيه ثمن العلاج أحياناً أشدّ قسوة من المرض ذاته.
الثورة السورية – نيرمين مأمون موصللي
