
تردد اسمه كثيرا في الآونة الأخيرة، ويتسع دوره باطراد في منطقة الشرق الأوسط، فيما تثير تصريحاته جدلا لخروجها عن السياق الدبلوماسي المعتاد. فليس من الشائع أن يصدر عن مسؤول أميركي يتولى مهام دبلوماسية انتقادات صريحة لاتفاقية “سايكس بيكو”، أو أن يعلن أن “حقبة التدخل الغربي قد انتهت”.
فمن هو الملياردير الأمريكي توماس باراك، الرجل الذي يرى فيه البعض أكثر من مجرد سفير أو مبعوث خاص؟ بل يعتبرونه أحد أبرز المؤثرين في سياسات البيت الأبيض خلال عهد دونالد ترامب.
ينحدر توماس باراك من أصول لبنانية، من مدينة زحلة البقاعية، وقد هاجر جداه إلى الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين، وولد عام 1947 في ولاية كاليفورنيا.
وكان الرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان قد صرح الاثنين مذكرا أنه هو من وقع مرسوم إعادة الجنسية اللبنانية لباراك وأولاده.
شراكة قديمة مع الأمراء السعوديين
عام 1969، حصل على إجازة في الآداب، ثم نال شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة سان دييغو عام 1972.
بدأ باراك مسيرته المهنية في مكتب المحاماة الخاص بالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. وفي عام 1972، أُرسل من قبل المكتب إلى المملكة العربية السعودية، وهناك تعاون مع عدد من الأمراء السعوديين، وقد ساهم لاحقا في فتح قنوات دبلوماسية بين السعودية وهاييتي، التي كانت حينها تحت حكم الديكتاتور جان-كلود دوفالييه.
أول تجربة في الشأن العام
في عام 1982، شغل باراك منصب نائب وكيل وزارة الداخلية الأميركية خلال إدارة الرئيس رونالد ريغان، لكنه اضطر حينها إلى الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس بسبب هدية مالية قدمها إلى مشتري منزل النائب العام آنذاك، إد وين ميز، ما أثار جدلا واسعا، ودفعته لمغادرة الخدمة العامة.
علاقته مع ترامب
في عام 1985، بدأ باراك أولى تعاملاته مع دونالد ترامب، حين باعه حصة بنسبة خمس في المئة من متاجر “ألكسندر” الشهيرة. وبعد ثلاث سنوات، في عام 1988، وافق ترامب على شراء فندق “بلازا” الشهير بالكامل من باراك مقابل 410 ملايين دولار.
“كولوني كابيتال” و”باريس سان جيرمان”
في العام 1990، أسس باراك شركته العقارية الشهيرة “كولوني كابيتال – Colony Capital”، التي ركزت في بداياتها على شراء الأصول العقارية المتعثرة ثم تحوّلت إلى شركة استثمارية عالمية أدارت محفظة تُقدر بنحو 25 مليار دولار،
شملت فنادق ومنتجعات فاخرة وعقارات متنوعة في أنحاء مختلفة من العالم، ما رسخ مكانة باراك كأحد كبار المستثمرين الدوليين في قطاع العقارات.
يذكر أن شركة “كولوني كابيتال” كانت تمتلك فريق “باريس سان جيرمان” الشهير بين عامي 2006 و2011، قبل أن يقرر باراك بيعه لصندوق قطر السيادي.
“من الحملات ضد المسلمين إلى رئيس يُحتفى به في قصور الخليج”
على الصعيد السياسي، كان باراك داعما لترامب منذ حملته الانتخابية الأولى عام 2016، وكان من أبرز جامعي التبرعات لصالح ترامب من خلال لجنة العمل السياسي “Rebuilding America Now”، التي نجحت في جمع نحو 23 مليون دولار، ما جعلها من أهم مصادر التمويل للحملة في تلك المرحلة.
ولمعرفة أهمية الدور الذي لعبه باراك لصالح ترامب، يكفي الإشارة إلى مقالة لـ”نيويورك تايمز” عام 2018 تحت عنوان “من يقف وراء علاقات ترامب بالأمراء العرب؟ صديق ملياردير”، كشفت خلالها عن مراسلات حصلت عليها “من مجموعة تعرف بانتقاداتها الحادة للسياسة الخارجية الإماراتية”، وفقا قولها.
وتخبر الصحيفة أنه في 26 نيسان – أبريل 2016 (أي خلال الحملة الانتخابية)، بدأ باراك مراسلات عبر البريد الإلكتروني مع أحد شركائه في الأعمال، السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، طمأنه فيها إلى أن دونالد ترامب يملك استثمارات في دولة الإمارات.
وتتابع: “شكلت هذه الرسائل بداية التحول اللافت لترامب من مرشح يشنّ حملات ضد المسلمين إلى رئيس يُحتفى به في القصور الملكية في الرياض وأبوظبي”، معتبرة أن هذا المسار يُظهر “المكانة الفريدة” التي احتلّها باراك في عالم ترامب.
وفي 13 تموز – يوليو من العام نفسه، أبلغ باراك العتيبة بأن ترامب قام بإزالة بند من برنامج الحزب الجمهوري كان يطالب بالكشف عن الصفحات الـ28 السرّية من تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 أيلول – سبتمبر، وهي صفحات طالما اعتبرتها أطراف معينة في الخليج حسّاسة للغاية.
يذكر أن باراك خضع أيضا للاستجواب ضمن تحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016.
تهم الضغط لصالح الإمارات
في العام 2022، بُرئ باراك من التهم التي وُجهت إليه قبل عام حول محاولته التأثير على السياسة الخارجية الأميركية بشكل غير قانوني لصالح دولة الإمارات، خلال ولاية ترامب الأولى.
واتهم باراك بنقل معلومات حساسة إلى حكومة الإمارات، وسعى إلى دفع السياسة الخارجية الأميركية نحو اتجاهات تخدم مصالح مموليه في أبوظبي. وقد اتهمه الادعاء بمحاولة تقويض الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حلّ أزمة الحصار الاقتصادي على قطر.
وخلال جلسات المحاكمة، دافع باراك عن نفسه ضد هذه التهم، مشيرا إلى أنه حث ترامب على استغلال جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي كورقة ضغط لإقناع المملكة العربية السعودية بإنهاء حصارها على قطر.
ثلاثة أدوار حساسة
ومع انطلاق الولاية الثانية لدونالد ترامب، تم تعيين توماس باراك سفيرا لدى تركيا، وبعد شهرين فقط، أُسندت إليه مهام المبعوث الرئاسي الخاص إلى سوريا، ثم إلى لبنان أيضا،
جامعاً بذلك بين ثلاثة أدوار دبلوماسية حسّاسة في آن واحد، في خطوة تعكس أهمية الدور الذي بات يلعبه في ملفات الشرق الأوسط.
مونت كارلو الدولية