
يمكن وصف الأرقام التي أعلنتها وزارة الإدارة المحلية والبيئة عن أضرار حرائق اللاذقية الأخيرة بالكارثية، سواء تعلق الأمر بالمساحة المحروقة والتي بلغت 20 ألف هكتار من أشجار السنديان، والسرو، والبلوط، والغار، والزعرور ،وغيرها من الأشجار والنباتات، أو من حيث الخسائر الاقتصادية والتي قدرتها بنحو 1.4 تريليون دولار.
طبعاً الآثار التي تركتها وستتركها حرائق اللاذقية على المجتمع المحلي والاقتصاد والوطني والبيئة هي بحجم الأرقام المُعلنة عن الخسائر وقد تتضاعف الخسائر مع تقدم الزمن على تلك الجغرافيا وعلى مناخ سوريا والمنطقة.
حرائق الساحل السوري كارثة وطنية بانعكاسها المباشر على السكان والنشاط البشري والاقتصادي والسياحي والمنطقة ولكنها كارثة بيئية على مستوى حوض المتوسط وهي ستكون بشكل مباشر في قلب التغيرات المناخية التي بدأت تتسارع في الوضوح على شكل موجات الحر أو احتباس للأمطار وفيضانات في بعض المناطق أو التطرف المناخي ( يوم حار جداً في الربيع أو الشتاء، وهطولات مطرية غزيرة في الصيف.
أضرار اقتصادية وبشرية
بالعودة إلى أرقام وزارة الإدارة المحلية، فإن الحرائق الأخيرة أدت لتضرر 60 قرية و5000 مدني، وهذا يعني أن هناك عائلات خسرت مصدر رزقها ومعيشتها رغم أنها بالأساس تعاني الفقر والعوز نتيجة الأزمة السورية، فهذه العائلات خسرت بساتين الزيتون والليمون والأشجار المثمرة وخلايا النحل وكل ما تملك،
وخسرت مع ذلك فرص العمل التي كانت تستقطب يداً عاملة من المناطق المجاورة، وكل ما سبق مجتمعاً يساهم في إخلال الأمن الغذائي ويلحق الضرر بالاقتصاد الوطني نتيجة خسارة إنتاج المحاصيل وموارد طبيعية أخرى كانت توفرها الغابات للصناعات الطبية والغذائية.
تغير بيئي
الخسائر البيئية أكبر بكثير من الخسائر الاقتصادية والبشرية لأن أثرها يمتد لسنوات طويلة جداً كون الحرائق أتت على مساحات واسعة من الغابات ذات التنوع النباتي والحيواني والحيوي الكبير، إذ تضم المناطق المحروقة أنواعاً وأصنافاً نادرة من النباتات والحيوانات والأحياء، كما أن الغابات تسمى خزانات الكربون وهي تشكل مناطق استقطاب للأمطار والغيوم وتساهم في الحد من التغير المناخي الذي بسببه نشهد الحرائق والكوارث الطبيعية.
وأكد الخبير البيئي الدكتور أحمد نعمان لـ”الثورة” أن زوال الغطاء النباتي سيؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، وهذا سيقود لتغير في الأنظمة البيئية، إذ يمكن أن تنقرض بعض الأنواع النباتية نتيجة فقدان قدرتها على تحمل هذا الارتفاع في درجات الحرارة و تتعرض لليباس وتنتشر الأمراض أو الحشرات،
وهذا سينعكس على النشاط الاقتصادي في المنطقة التي ستتأثر كثيراً بموضوع الحرائق، فالناس خسرت مزارعها وحقولها وبساتينها وسيتضرر النشاط السياحي كذلك وحتى الأبحاث العلمية والبيئية التي كانت تتم في تلك المناطق ستتراجع- إن لم نقل تتوقف- نتيجة فقدان المخبر الطبيعي الذي كانت تقام فيه الأبحاث.
وأشار د. نعمان إلى أن الغابات تأتي ضمن مجموعة من الخيارات المساهمة في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة في سوريا منذ سنوات عديدة بالرغم أن سوريا ليست من الدول المساهمة بشكل رئيسي في ظاهرة التغير المناخي ولكن كان هنالك نسبة من المساهمات الضئيلة التي قد يكون لها تأثير كبير على المستوى العالمي، ما يعني أننا بسبب حرائق الساحل خسرنا مساهماً كبيراً في تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة.
مما سبق فإن الخسائر التي نجمت عن حرائق الساحل كبيرة جداً ويصعب حصرها وتحديدها، وهذا سيكلف الدولة السورية مبالغ وجهوداً كبيرة لدعم المتضررين أولاً، وإعادة إعمار ما دمرته الحرائق ثانياً ولإعادة ترميم الغطاء النباتي، وهذا يستدعي التواصل مع المنظمات الدولية والبيئية والإنسانية للحصول على الدعم الفني والمادي للتقليل من مخاطر وآثار الكارثة المربكة.
الثورة – معد عيسى